اقتصاد وأعمال

منتدى رؤساء المؤسسات يطلق النار على الحكومة!

عبد الوهاب بوكروح

على غير المعتاد منذ 2011، لم يشارك أي وزير من حكومة عبد المالك سلال في أشغال “يوم المؤسسة الجزائرية” الذي عقد بالعاصمة الجزائر الثلاثاء 17 نوفمبر تحت شعار”ضرورة وضع سياسة تنويع للاقتصاد الوطني: المؤسسة كفاعل أساسي”.

ظاهريا الغياب برره اجتماع مجلس الحكومة، غير أنه غياب يخدم وزراء الحكومة الذين تجنبوا مواجهة الحقائق والأرقام الاقتصادية التي قدمها الخبير الاقتصادي رفيق حسن بوكلية، والتي تعتبر صادمة للحكومة بكل المعايير.

وأمام غياب الوزارات المعنية بالشأن الاقتصادي، لم تكلف آلة البيروقراطية الإدارية نفسها حتى إرسال ممثلين عنها لإعطاء انطباع ايجابي بأن الحكومة تؤمن بالمقاولاتية وتشجع روح المقاولة في ظرف وطني ودولي متوتر للغاية بسبب تراجع أسعار النفط من جهة وخطاب حكومي يتكرر بشأن تنويع الاقتصاد.

اليوم الوطني عرف مشاركة واسعة من رؤساء المؤسسات وخبراء من الجزائر والخارج، وعلى رأسهم رفيق بوكلية الذي قدم دراسة حول ” تنويع الاقتصاد الوطني”، أعتمدها منتدى رؤساء المؤسسات وهي دراسة أثارت نقاط سوداء عديدة في ممارسات الحكومة الخاصة بمناخ الأعمال والحوكمة الاقتصادية.

وتطرق بوكلية من خلال الدراسة إلى المحيط الدولي الذي تميزه الصدمات القصيرة المدى والتحولات الطاقوية، كما عرض تشريح هيكلي للاقتصاد الوطني بين 1977 و2014 وانعكاسات التحول الهيكلي للاقتصاد الوطني على الإنتاجية الإجمالية للاقتصاد ومستوى التصنيع وتراجع تغطية الإنتاج الوطني لحاجات السوق المحلية فضلا عن تنويع الصادرات.

ويكون أعضاء الحكومة قد صنعوا جميلا بغيابهم عن اللقاء، بالنظر للحقائق الصادمة التي تناولتها الدراسة وخاصة في الشق المتعلق ببعض السياسات الاقتصادية  التي تشرع سنويا من خلال قوانين المالية على غرار اللجوء إلى رفع الضريبة على أرباح شركات قطاع الخدمات إلى 26% بدون النظر إلى العواقب الوخيمة التي سيخلفها القرار على القطاع الأكثر خلقا للثروة والقيمة المضافة في البلاد والأكثر تشغيلا كما أنه يمثل 64.5% من الثروة.

وأشار بوكلية إلى التراجع الحاد للمؤشرات المالية للاقتصاد الوطني بين جوان 2014 وجوان 2015، حيث تراجعت الجباية البترولية من 1870 مليار دج إلى 1254 مليار دج بخسارة قدرت بـ616 مليار دج، فيما بلغ العجز الإجمالي للخزينة بـ439 مليار دج(- 439 مليار دج) وسجل صندوق ضبط الإيرادات أكبر تراجع له منذ تأسيسه حيث فقد 1714 مليار دج بعد أنم تراجع من 5155.9 مليار دج إلى 3441.3 مليار دج في ظرف سنة واحدة.

وسجل الميزان التجاري أكبر عجز منذ سنوات طويلة مسجلا عجزا قدر بـ10.49 مليار دولار، منتقلا من فائض عند 2.31 مليار دولار في جوان 2014 إلى عجز بـ8.18 مليار دولار نهاية جوان الماضي.

 

انهيار حاد لقيمة الدينار واحتياطات الصرف

احتياطات الصرف هي الأخرى لا تبعث على التفاؤل إطلاقا بحسب ما جاء على لسان الخبير الاقتصادي ومستشار منتدى رؤساء المؤسسات والمستشار السابق لدى وزير الصناعة الأسبق حميد تمار، الذي كشف بالأرقام أن احتياطات الجزائر من العملة الصعبة هوت بحدة بين خلال الفترة جوان 2014 وجوان 2015 من 193.3 مليار دولار إلى 159 مليار دولار أي بتراجع قدره 34 مليار دولار في ظرف سنة واحدة وهذا للمرة الأولى منذ 2000، كما فقدت العملة الوطنية الدينار 22%من قيمتها خلال نفس الفترة مقابل الدولار و0.6% مقابل العملة الأوروبية الموحدة.

أرقام المنتدى صادمة وتعيد طرح الأسئلة الحقيقية بخصوص السلوك الاقتصادي للحكومات المتعاقبة ومدى معرفتها الجدية لعواقب أفعالها المنتهجة.

الدراسة ذهبت بعيدا في تشريحها للداء، حيث كشفت بالأرقام كيف تم القضاء على القطاع الزراعي في الجزائر بدون أن تتمكن السياسيات المنتهجة من بناء صناعة وطنية.

فمشاركة القطاع الزراعي في التوظيف وخلق مناصب شغل تراجعت بشكل حاد للغاية من 40% عام 1973 إلى 14.1%عام 2000 ثم 9.5% عام 2014 وهو مؤشر يبين لماذا أصبحت البلاد تستورد 70% من قوت الجزائريين.

وفي المجال الصناعي انتقلت حصة الصناعة في التشغيل من 18% عام 1977 إلى 12.6% عام 2014 فيما زادت حصة قطاع البناء والأشغال العمومية من 8.7% عام 1973 إلى 16.5% عام 2014.

قطاع الخدمات الذي تريد الحكومة خنق من خلال سياسة جبائية وضريبة غريبة، زادت مساهمته في قطاع التوظيف 40.1% إلى 61.4% بين 1973 و 2014.

قطاع الخدمات يوظف ثلثي الجزائريين ومع ذلك لم تقتنع الحكومة التي تريد فرض المزيد من القيود على القطاع من خلال مقترحات “ما انزل الله بها من سلطان” في مشروع قانون المالية للعام 2016 حيث تريد الحكومة رفع الضريبة على أرباح الشركات إلى 29 % بمبرر تشجيع قطاعات أخرى، وهذا سنة واحدة بعد ممارسة نفس الحكومة لخطيئة لا تقل خطورة عندما قررت وبطريقة محيرة للمختصين فرض ضريبة واحدة على أرباح الشركات الإنتاجية وشركات الاستيراد، وهو ما دفع بالعديد من المختصين إلى التشكيك في القدرات العقلية لأصحاب المقترح قبل إلغائه.

وكشفت الدراسة أن التحول الهيكلي الذي عرفه الاقتصاد الوطني بين 1977 و2014 لم يساهم بطريقة ايجابية في زيادة الإنتاجية الإجمالية للاقتصاد الجزائري.

في المجال الصناعي انتقدت الدراسة النتائج التي تحققت حيث وصفتها بأنها لم تبلغ معايير التصنيع مقارنة مع دولة تتشابه حالتها مع الاقتصاد الجزائري بما فيها الاقتصاديات النفطية، حيث سجلت البلاد تمركز قوي حول  قطاع المحروقات.

 

نمو خطير للواردات وتراجع تغطية الاحتياجات الداخلية

وحذرت الدراسة من العواقب الوخيمة لنمو الواردات في الفترة 2000 إلى 2013 والتي لا تتناسب إطلاق ونمو الناتج الداخلي الخام وهو ما يعكس تراجع حاد في معدل تغطية الإنتاج الوطني لحاجات السوق الداخلية.

وكشفت الدراسة عن أرقام خطيرة للاعتماد شبه المطلق على الخارج بالنسبة لتطور الناتج الداخلي الخام.

ففي العام 2000 كان إنتاج 1 دج من الناتج الداخلي الخام يحتاج إلى مدخلات مستوردة تعادل 0.23 دج، قبل أن يقفز الرقم في العام 2013 بالأرقام الثابتة إلى 0.46 دج من المدخلات المستوردة، وهي نسبة ضعف في أقل من 15 سنة، بدون أن تتساءل الحكومة عن زيادة معدلات الإدماج الوطني.

زيادة الاعتماد على الخارج من خلال الواردات لم تتوقف عند هذا الحد، بل اشتدت حدتها في مجال منتجات إستراتجية على غرار المواد البترولية المكررة والسيارات الصناعية والسيارات والحديد بأنواعه والصلب والأدوية التي أصبحت تمثل 26.7%من الواردات الإجمالية بما يعادل 14.7 مليار دولار، فيما يستهلك 18 مادة أزيد من 50% من فاتورة الواردات.

وشمل التراجع جميع القطاعات باستثناء المحاجر والمناجم الذي عرف تطورا نسبيا بين 2000 و2013 منتقلا من 66.1%إلى 78.3%.

التدهور الأكثر حدة عرفته قطاعات الصناعات الحديدية والصلب والميكانيك والإلكترونيك بما فيها الكيمياء، التي انتقلت بين 2000 و2013 من 21.6% إلى 13.4 %.

وقطاع النسيج الذي سجل كارثة حقيقية بتراجعه من 75.3% إلى 38.2%، وقطاع الأحذية والجلود من 74.7% إلى 27.6% حيث أصبحت البلاد شبه مستورد لأزيد من 72 مليون حذاء سنويا.

الصادرات الجزائرية حدث ولا حرج، فلم تتمكن البلاد من تنويع صادراتها التي لا نتمثل خارج المحروقات سوى 2.8% عام 2014 بمجموع 861 مادة سنويا بين 1992 و2012 مقابل 2710 مادة في الجارة المغرب، كما أنم المواد الجزائرية غير قادرة على الاستمرار في التصدير بسبب ضعف تنافسيتها، حيث يتوفر المنتج الجزائري على 32% من فرض التصدير لأزيد من عام مقابل 60% للمنتج المغربي.

وبالمحصلة فإن جميع السياسات الاقتصادية المنتهجة لم تمكن الاقتصاد الوطني من تحقيق إنتاجية كافية، كما تسببت تلك السياسات في حالة جمود للقطاع الصناعي منذ نهاية السبعينات  فضلا عن تراجع حاد في معدلات تغطية السوق الداخلية كمن خلال الإنتاج المحلي وارتفاع الاعتماد على الأسواق الخارجية وعجز تام على تنويع الاقتصاد إلى جانب اعتماد خطير على عائدات المحروقات في كل شيء.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى