أراء وتحاليل

الأحزاب السياسية ومنطق المعارضة

س . شباح

يبدو أن كلمة أو مصطلح (المعارضة) أصبح مفتاحا لكل السياسيين عندنا، يلج من خلاله إلى عالم العمل السياسي ومنه إلى اعتلاء مناصب في السلطة.

ويعني مصطلح (المعارضة) في السياسة، أن أية جماعة أو مجموعة أفراد يختلفون مع الحكومة، على أساس ثابت وطويل الأمد عادة، ولو أن المصطلح يمكن أن يصف المعارضة المتعلقة بالقضايا في إطار تشريع واحد أو اقتراح سياسة.

ويطبق المصطلح على نحو أكثر تحديدا على الأحزاب في المجالس المنتخبة التي تختلف مع الحكومة وترغب في الحلول محلها.

فالمعارض السياسي هو شخص منتمي لحزب سياسي أو تيار سياسي أو حتى صاحب رأي مستقل غير منتمي لتيار ما، ويدعى معارض لأنه يعارض أسلوب الأحزاب السياسية الأخرى وعلى طريقة استخدامها للسلطة، لكن ينتهي دوره كمعارض عندما يمتلك حزبه زمام السلطة ليدعى حينها بالموالي أو السلطوي. ويكتفي المعارض بتوجيه المقالات والاعتراضات للأحزاب الأخرى.

لكن الواقع السياسي علمنا، أن كل حزب أو حتى شخص بذاته يعارض لسببين، الأول أن يخرج من وضعه الذي هو عليه (نكرة) والانتقال إلى الواجهة السياسية حتى يصبح معروفا برأيه المعارض للسلطة، أما السبب الثاني وهو الهدف المبدئي، عليه تحقيقه من خلال هذه المعارضة، المتمثل في إيجاد مكانة سياسية له، وترى المعارض يتسم بالحدة في كلامه وخطاباته بإبراز أخطاء السلطة لكسب التأييد من القاعدة الشعبية.

لو تأملنا في خطاب المعارضة بما في ذلك السلطة طبعا، المليء بالأحلام الوردية والطموحات والمشاريع، التي تعد بها المعارضة الشعب حتى تكسب ثقته أو حتى التعاطف مها، وكل ذلك طبعا لهدف أسمى عندهم ووحيد(الوصول الى السلطة).

وإذا سلمنا أن الأحزاب السياسية رغم أن هدفها واضح، فإنها تتغنى بتقديم ما يمكن أن يفيد البلاد والعباد وهذا ما نستشفه من خطاباتهم وانتقاداتهم لبعضهم، في هذه الحالة المقصد شريف ونبيل، هو خدمة هذا الشعب الذي لا يطلب من الساسة سوى العيش الكريم، في كنف الاحترام المتبادل بين أفراده، وإحقاق الحق.

تحل الانتخابات والشعب يقول كلمته، فيفوز من يفوز ومن لم يتمكن من الوصول إلى السلطة فالفرص القادمة كثيرة، ومثل ما يقول المثل الجزائري المعروف (إلي عينو في الربح العام طويل).

وفي كل الأحوال من أراد أن يخدم بلده وشعبه يستطيع فعل ذلك ولو لم يكن في السلطة، وذلك بتقديم يد العون لمن أوكل إليه الشعب مقاليد الحكم، وتلك هي المعارضة في مفهوم الحكم الديمقراطي.

لكن يبدو أن المسافة في نظر المستعجل والشغوف للسلطة لا يصبر حتى العهدة أو الفرصة القادمة، بل يتخذ من موقعه السياسي الذي لم يتعب في بنائه، موقفا عدائيا للحاكم، بدعوى المعارضة.

كما أن المعارضين من الساسة أفرادا كانوا أو جماعات، يعتمدون الديمغلاطية، وليس الديمقراطية، وهذا في رأيي تدليس لكن بأسلوب سياسي.

فالتدليس عموما أن يوجد نشاط من قبل المدلس حتى يوقع ضحيته في الغلط، أي مغالطة الشخص مما يحمله للوقوع في الغلط بسبب إيهامه وتغيير الحقيقة له.

والسياسي الذي يوهم الشعب بأعمال لا يستطيع تحقيقها لأسباب يعلمها مسبقا، قد تعمد تغليط هذا الشعب حتى يضع ثقته فيه ويمنحه صوته.

فهذا المنطق السخيف والغريب عن تقاليدنا ، وجب على سياسيينا التخلص منه، فلا نعارض من اجل المعارضة ولنأخذ العبرة من أسلافنا، فهذا الصديق رضي الله عنه حين ولي على أمر المسلمين قال فيما قال في خطبته(فإني قد وليت عليكم ولست بخيركم، فإن أحسنت فأعينوني، وإن أسأت فقوموني).

فتقويم الحاكم لا يأتي بالمعارضة، بل بالمناصحة، فلتكن المناصحة منهج السياسيين ودعوا معارضة السلطويين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى