الجزائرالرئيسيةحواراتسلايدر

نور الدين بوكروح لـ” الجزائر اليوم”: “الذين يرفضون المادة 102 بعد أن طالبوا بها لسنوات هم في الواقع يدعمون موقف بوتفليقة في الصراع الحالي”

قال الوزير ومرشح الرئاسيات السابق، نورالدين بوكروح، في حوار مع “الجزائر اليوم”:”لا أحد يستطيع تفكيك النظام عبر الخروج عن القانون، ولا تحقيق ذلك في بضعة أشهر أو سنوات. سيكون من السهل إبعاد الشخصيات البارزة التي جسدت النظام ، لكن من الصعب للغاية كشف أولئك الذين يختبئون في الظل منذ سنوات وعقود على مختلف مستويات جميع المؤسسات مهما كانت”.

وأضاف بوكروح، أن “حراك” 2019 ليس “ربيعًا عربيًا متأخرًا”: فلم يجمع أي ربيع هذه الأعداد من الناس من جميع الأعمار، في جميع الولايات ، بشعارات واضحة (معارضة العهدة الخامسة) و إجماع على الهدف (نهاية “النظام”).

وفي قراءة إستشرافية، أكد بوكروح، “إذا ما نجح، وهذه مسألة وقت أيضا، فسيكون ربيعًا “مبكرًا” هو الذي من شأنه أن يدفع الشعوب العربية وغيرها لإطلاق ثورتها أو إعادة إحيائها من جديد عندها، لكن هذه المرة على الطريقة الجزائرية: بذكاء ، بسلام ، بالابتسامة. لكننا لم نصل إلى ذلك بعد، فالمسار طويل وحافل بمخاطر من شتّى الأنواع”.

 *”الجزائر اليوم” : هل يمكن اعتبار “الحراك” الحالي ربيعا عربيا متأخرا؟

**نور الدين بوكروح: إذا اعتبرنا أن الربيع العربي كان انتفاضة شعبية تهدف إلى تغيير النظام، يجب الاعتراف بأن الجزائر كانت أول دولة عربية-أمازيغية-إسلامية أَجبَرَت فيها انتفاضةٌ شعبيةٌ النظام على الانتقال من نموذج سياسي (الحزب الواحد) إلى آخر (النظام متعدد الأحزاب). كان ذلك بين أكتوبر 1988 وفبراير 1989 ، الشهر الذي تم فيه لأول مرة تبني دستور ديمقراطي  لو اندلعت هذه الانتفاضة بين ديسمبر ومارس كان يمكن أن تُسَمّىَ “الربيع الجزائري”، لكننا كنّا آنذاك في الخريف.

مع ذلك  لم تصبح هذه الحركة مثالاً يحتذي به العالم العربي، ليس بسبب الفصل أو المناخ بل لأنه، من جهة اتّسم بالعنف منذ البداية، و من جهة ثانية لأن الشعب الجزائري  لم يصل لفكرة واضحة عما يريد وضعه بدلاً عن نظام الحزب الواحد الذي أراد إسقاطه.

تلقائيتها، وفقدانها لاستعداد فكري ولتأطير أفكار سياسية واضحة حول المستقبل ، والتلاعب بها من جانب في السلطة ضد جانب آخر، أدت إلى بقاء هذه الثورة على شكل فيضان عنيف من الغضب ورفض حاقد تجاه “النظام”، مجرد انفجار عام بعد سنوات من الكبت والخضوع والبؤس الأخلاقي والاجتماعي.

إلى أن جاءت “عصبيات” ، مختبئة في الظل منذ عقود من الزمن لكن متواجدة في النفوس في شكل “ميول سياسية” منذ قبل الاستقلال، لتحوّل هذا الغضب لصالحها. وتم تقسيم عوامل دينية وثقافية ورمزية مشتركة بين جميع الجزائريين وتحويلها إلى “عصبيات” تؤدي دور الخطاب والبرنامج السياسي للأحزاب حديثة النشأة.

هذه “العصبيات” هي الإسلاموية والثقافة الأمازيغية وقيم نوفمبر المحتكرة من جبهة التحرير الوطني. ويمكنني أن أضيف اليوم رابعة هي عصبيّة “مع الواقف” التي يجسدها الأرندي وبعض الأحزاب الأخرى المموهة تحت اسم أو آخر.

باستثناء تونس التي نجح فيها في اللحظات الأخيرة، فقد فشل ربيع البلدان العربية لنفس الأسباب، ومهدت جميعها الطريق للإسلام السياسي الذي لا يمثل تقدماً تاريخياً، بل عودة إلى انحطاط.

السلطة رأت العيب على الفور واغتنمت الفرصة. لقد فهمت أنها بواسطة “العصبيات” تمسك بوسيلة تقسم بها الشعب إلى قوى معارضة لبعضها البعض أكثر من معارضتها لها. وتم توزيع كل “عصبية” على عدة أحزاب متنافسة، يفضّل كل واحد منها أن يخدم بشكل سري السلطة على أن يسمح لمنافسه بالفوز.

قدّمت هذا التحليل في عشرات الكتابات منذ عام 1989 دون أن تصغي إليّ مختلف هذه الأطراف، ودون أن يفهمني الشعب الذي كان هو من دفع الفاتورة بعد ذلك. أردت أن أذكّر بهذا قبل التطرق إلى قضايا ومخاطر الحاضر.

“حراك” 2019 ليس “ربيعًا عربيًا متأخرًا”: فلم يجمع أي ربيع هذه الأعداد من الناس من جميع الأعمار، في جميع الولايات ، بشعارات واضحة (معارضة العهدة الخامسة) و إجماع على الهدف (نهاية “النظام”). إذا ما نجح، و هذه مسألة وقت أيضا، فسيكون ربيعًا “مبكرًا” هو الذي من شأنه أن يدفع الشعوب العربية وغيرها لإطلاق ثورتها أو إعادة إحيائها من جديد عندها، لكن هذه المرة على الطريقة الجزائرية: بذكاء ، بسلام ، بالابتسامة. لكننا لم نصل إلى ذلك بعد، فالمسار طويل وحافل بمخاطر من شتّى الأنواع.

*في الواقع ، يدعي بعض الناس أن الشارع لم يتحرك من تلقاء نفسه وأن “يدا خفية” تسيره لتتمكن من العودة إلى مقدمة المسرح و حماية مصالحها؟

**ن.ب: كان الأمين العام السابق لجبهة التحرير الوطني عمار سعداني أول من أطلق هذا السم للعلن من أجل ضرب مصداقية “الحراك” من خلال استعمال فكرة تنال حاليا رواجا في الخارج: “الدولة العميقة””.

إنها طريقة للقول بأن لا استحقاق للشعب في ما يحدث في الجزائر الآن، وأنه ليس هو الذي وضع نهاية لحكم بوتفليقة وحكمه هو، بل جناح من دائرة الاستعلام والأمن السابقة، والتي قَطَعَ رأسها قبل بضع سنوات الرئيس وسعداني نفسه.

وقد ذكر أحمد أويحيى بالاسم كممثل هذه “الدولة العميقة” وقال بأنه كاتب الرسائل المنسوبة إلى بوتفليقة ومتخذ القرارات في مكانه ودون علمه. إذا كان هذا صحيحًا يجب إلقاء القبض على أويحيى ومحاكمته وإدانته بشدة بسبب الضرر الذي ألحقه بالبلاد منذ أكثر من خمس سنوات.

يمكن لنظرية “الدولة العميقة” أن تفسّر ما يحدث في السلطة لكنها لا تملك أدنى مفعول على الشعب. لا شيء ولا أحد يستطيع أن يُخرج 15 إلى 20 مليون مواطن من جميع الأعمار ومن جميع المناطق ومن جميع المنابر السياسية إلى الشارع مدة ستة أسابيع متتالية.

إنها حركة شعبية حقيقية سببها توالي الإهانات المستمرة وغير المحدودة بوتفليقة و آله وخدّامه الذين هم اليوم أول من انقلب عليه دون تأخير، بوقاحة و خزي و دون حياء …. أويحيى في صدارتهم كالعادة..

رأى الشعب في العهدة الخامسة خطا أحمر لا يجب تجاوزه إلا إذا رضي بالعبودية كما كتبته منذ عام ونصف العام في “ندائي إلى ثورة مواطنة سلمية”. أما الباقي، أي استبدال النظام بدولة القانون التي تحكمها المجالس المنتخبة، فسيأتي آجلا..

إذا أراد الوصول إلى هذا الهدف السامي، يجب على الشعب ألا يسمح بتحييد “حراكه” عن مساره، كما حُيّدَت انتفاضة أكتوبر 1988 من طرف السلطة و “العصبيات”، أين اشترك الاثنان واجتمعا على خراب البلاد. في الوقت الحالي يبحث الاثنان عن طرق لاختراقه أو توجيهه أو استعادته لمصلحتهم. الإسلاموية والانفصالية تترقبان الفرصة وتنتظران الوقت المناسب، كل واحدة لفرض وجهات نظرها وشعاراتها وأفكارها الخطيرة التي أدت بالبلاد إلى العشرية السوداء.

يعتبر هذا الحراك ظاهرة فريدة من نوعها في الثلاثة آلاف سنة التي تشكل تاريخ الجزائر. إنه يتجاوز بكثير ما رأيناه خلال ثورة التحرير الوطني نفسها. و نتيجة لهذا فهو هش ومعرض للخطر. ليس لديه سوابق يمكن من خلالها استخلاص الدروس. و هو ليس في مأمن من التخريب الذي قد تقوم به قوى السلطة السابقة التي تطمح إلى إعادة التموقع من جديد، و لا من اختطافه من قبل أحزاب سياسية لم يكن لها دور في إطلاقه، أو من “شخصيات” نصبت نفسها وصية عليه و تريد ركوبه لاستهلال مسار سياسي عبر طريق مختصر.

هذه المناورات تجري الآن بتواطؤ العديد من وسائل الإعلام… “قلب الفيستة” يتم بسرعة الضوء ، و”مخططات الطريق” تصمم بالعشرات من طرف أشخاص وتشكيلات سياسية لم تؤمن أبدًا بحل من الشعب ولصالحه..

يجب تجنب تطرف “الحراك” بأي ثمن، وتفادي فخ إيقاعه في مواجهة بين الشعب و جيشه. لا سيما أن بعض الأحزاب و “الشخصيات” تدفع لذلك عمدا.

*نتذكر أنك كنت أول من دعا الجزائريين إلى “ثورة مواطنة سلمية” ، و هو “نداء” في أربعة أجزاء نشرناها هنا بين سبتمبر 2017 و جانفي 2018. هل يمكن أن يتحول هذا الحراك إلى حركة سياسية مهيكلة تسمح ببناء جمهورية جديدة؟

**ن.ب: : كتبت ضد العهدتين الرابعة والخامسة ما يقارب المائة مقال منذ 2014 حتى الآن، ناهيك عن عدد لا يحصى من الحوارات والبرامج التلفزيونية، وهذه المقالات والحوارات ومقاطع الفيديو موجودة على صفحة الفيسبوك باللغتين و وسائل الإعلام التي نشرتها.

إليكم ما كتبته في 16 سبتمبر 2017 في “النداء” الذي كان المرحلة الأولى من المبادرة السياسية التي أطلقتها استجابة للذين كانوا يحثونني على اقتراح حلول:

(بداية المقتطف) “يجب علينا أن نفتح أعيننا على الواجب الذي ندين به لوطننا، عوض أن ننتظر حتى تصل الكارثة إلى عقر دارنا لننتفض في جو الفوضى و تخريب المرافق العمومية و التعدي على قوى الأمن أو الممتلكات العمومية و الخاصة.

الانتخابات الرئاسية المقررة في 2019، أو أن حلت قبل موعدها لسبب أو لآخر، إنما تتيح لنا فرصة تاريخية لأن ننتهي من “النظام” الحالي. و ما تبقى من الوقت ليفصلنا عنها هو بالكاد يكفي لإعطاء هذه الثورة السلمية المواطنة حظوظا كافية للنجاح…

يجب على كل جزائري و جزائرية أن يتوقف للتفكير مع نفسه، ليُجري امتحانا لضميره و يقول لنفسه: “يجب أن أتوقف عن التفكير كما كنت أفكر في السابق، يجب عليّ أن أفعل شيئا من أجل بلادي و إخوتي… سوف يتبع خطاي و يحذوا حذوي آخرون. سأفعل شيئا لأن الآخر كذلك سيفعل، و سيعود عليّ هذا بالفائدة.

شعور الاستقالة الذي كان يشلّنا حتى الآن، و روح اللامبالاة و السلبية التي تقوقعنا داخلها عندما تبنّينا المقولة الشعبية: “تخطي راسي”، يجب أن تواجهَها و تحلّ محلّها بقوة مقولة شعبية أخرى هي: “راسي و راسك في شاشية واحدة”… يجب على كل واحد منا أن يقوم بعمل تحسيسي جواري في محيطه: داخل عائلته، في حيه، في مكان عمله أو دراسته، في شبكات التواصل الاجتماعي؛ حتى يتعمم الاستيقاظ و العزم على العمل سلميّا لكن فعليا لتغيير أحوالنا و دولتنا.

ميلاد الأمّة التاريخي يحدث في اللحظة التي يلتحم فيها أفرادها و يتحركون نحو هدف مشترك و واحد. فلنركّز في مرحلة أولى على أربعة مبادئ يجب على كل واحد فينا أن ينشرها و يعطي لها أكبر صدى ممكن، بكل ما أتيح له من الوسائل:
– لا للجوء إلى طباعة العملة من أجل دفع الرواتب
– لا لعهدة خامسة !
– لا لخلافة مُرتّبة من فوق !
– لا لاستعمال الجيش الوطني الشعبي، الجماعات المحلية، قوى الأمن و العدالة من أجل إطالة عمر سلطة أصبحت فاقدة للشرعية و مضرّة بمصالح الوطن !

يجب على الجزائريين و الجزائريات الذين يريدون بناء جزائر جديدة أن يعلنوا بأن العهد الذي كان يُختار فيه مرشح تتّفق عليه قوى مجهولة و خفية، ثم “تُصادق عليه” بتزوير الانتخابات قد ولّى. فنحن لن نقبل بذلك مستقبلا لأننا بلغنا من النضج ما يمكننا من الاختيار بأنفسنا، من أجل أنفسنا و من أجل أبنائنا.

يجب أن نُشهدَ العالم بأسره على أنه قد بدأ في الجزائر كفاح سلمي من أجل الحرية و الديمقراطية و حرية ممارسة سيادة الشعب، و أنه لن يتوقف قبل أن يصل إلى الأهداف المسطرة له: استرجاع مواطنتنا و كرامتنا”. (نهاية المقتطف)

هذا و أنا لا أدّعي أني كنت السبب في ثورة المواطنة التي تجري الآن. و ليست لي النية في تبنّيها أو ركوب موجتها، لكن عندما يقارن مسارها مع ما كتبته قبل عام ونصف العام من انطلاقها، لا يمكن لأي أحد تتوفر فيه النزاهة والموضوعية أن ينكر أوجه التشابه والمصادفة بين ندائي و المنهج الذي دعوت إليه ومقترحاتي من جهة، وبين ما رأيناه ونشهده منذ شهر ونصف من جهة أخرى.

من خلال مجرد حدوثها انتصرت ثورة المواطنة: فقد جمعت الملايين من المواطنين ، وشكلت ضميرًا مواطنًا و وطنيًا و مدنيًا تخطى “العصبيات” المشئومة، واكتسحت العهدة الخامسة، و وضعت نهاية لحكم آل بوتفليقة و حاشيتهم، و أجبرت الجيش على الوقوف مع الشعب ، وأعادت تلميع صورة الجزائر والجزائريين في العالم …

في مقال بتاريخ 1 مارس 2019 بعنوان “ثورة المواطنة والشرعية القانونية”، أوصيت بإنشاء تنسيقية وطنية لحراك المواطنة تنبثق من صفوف السبّاقين لهذه الحركة ومنشطيها. ستكون هذه هي الخطوة الأولى في عملية هيكلة لن تكون سهلة ولكنها تظل ممكنة بل ضرورية.

إذا ما عاد الجزائريون إلى ديارهم و توقفوا عن التظاهر فسيقطف الانتهازيون الثمار بدلا مهم. لذا يجب عليهم التفكير في تشكيل منظمة سياسية ، وكتابة أرضية سياسية وتقديم مرشحين للانتخابات المقبلة..

*الشعب الجزائري خرج للشارع للمطالبة برحيل النظام. ما هي قراءتك للأزمة التي تعيشها البلاد حاليا؟

**ن.ب: أولاً، ما هو “النظام”؟ إنه عبارة عن هياكل الدولة بأكملها، و توسعاتها في المجتمع من خلال المنظمات الوطنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية المهنية التي أنشأتها منذ الاستقلال. على رأسها الأفالان الذي يجب أن يعاد إلى الذاكرة الوطنية في أقرب وقت ممكن ، دون مناقشة و بمجرد تثبيت هيئة لصنع القرار.

يمتد مجال “النظام” إلى أبعد من الرئاسة والحكومة والجيش وأحزاب ما يسمى “التحالف الرئاسي”. إنها آلة تتسلل أذرعها إلى جميع مستويات المجتمع والإدارة والعدالة والجماعات المحلية والمؤسسات الاقتصادية العامة والخاصة و وسائل الإعلام والمعارضة الزائفة … هذا يشمل مئات الآلاف من الناس، بل الملايين الذين ترعرعوا في ضل هذه الانحرافات منذ الاستقلال. من أين يبدأ النظام و أين ينتهي؟ لا أحد يستطيع الإجابة على هذا السؤال.

المثال نجده في التزوير الانتخابي. إليكم المسار الذي يمر من خلاله: الأوامر تصدر من أعلى هرم الدولة و من هياكل مخصصة لهذه المهمة داخل دائرة الاستعلام والأمن السابقة، و تمر عبر وزارة الداخلية التي تمررها بدورها إلى الولاة، الذي يأمرون بدورهم رؤساء الدوائر و البلديات الذين ينظمون العمليات اللوجستية ، وصولا إلى مراكز الاقتراع حيث يشرف فريق صغير من المسئولين في الإدارة على الصناديق. هؤلاء لديهم بطاقية الناخبين المحليين و أوراق الاقتراع والصناديق و وثائق العد و محاضر فرز النتائج …

نحن هنا أمام مقياس يبدأ فيه التزوير عند الموظفين الصغار والقضاة المشرفين. بوجود 45.000 مركز اقتراع و 10 أشخاص لكل مكتب نصل إلى نصف مليون مواطن شريف لا يفكرون بشكل سيء ويعتقدون أنهم يتصرفون هكذا من أجل مصلحة البلاد.

في الجزء الرابع من مبادرتي السياسية المؤرخ في 11 جانفي 2018 كتبت مايلي:

(بداية المقتطف) ” الحل يكمن في ثورة مواطنة اليوم و أكثر من أي وقت مضى… يجب علينا الانتقال إلى مرحلة جديدة من تاريخ الجزائر وفي نفس الوقت استخلاص الدروس من المرحلة الأولى (1962-2018)، التي تميزت بتولي قادة ينتمون إلى نفس الجيل للسلطة دون أن يكونوا مؤهلين أو مستعدين لذلك، فمارسوها في بعض الأحيان بذهنية تسيير ملكهم الخاص، ولم يتوانى بعضهم في ترسيم التزوير الانتخابي والجهوية والعشائرية والفساد للحفاظ عليها مهما كلّف الثمن.

إنّ الانتقال التاريخي موضوع هذه المبادرة السياسية يتجاوز أفق التداول على السلطة أو مفهوم البديل السياسي البحت، كما يتجاوز أيضا فكرة مجرد التعاقب في الأجيال. فالانتقال الذي نقصده يصبو إلى تأمين شروط البقاء والاستمرار في التاريخ للجزائر كأمة مستدامة ودولة عصرية، ويجب من أجل تحقق ذلك أن يُترجم إلى تغيير شامل في البرامج الذهنية وأنماط التفكير، وفي طرق الحياة والحكم. الشرط الأساسي ليتحقق الانتقال التاريخي هو الوحدة الوطنية.

لا يزال يفصلنا عن موعد أبريل 2019 متسع من الوقت يكفي للتحضير لهذا الانتقال الذي إمّا سيفتح عهدا جديدا أمام بلادنا، أو سيحكم عليها بالعودة إلى عصر “الوصاية” كما كانت بالأمس تحت حكم الأتراك، أو غد تُعرف فيه كمجرد “جمهورية نفطية” تكون قد دامت حوالي ستين سنة.

ونحن نقف على مشارف سنة عالمية وأمازيغية جديدتين، يجدر بنا تذكير جزائريي الداخل والخارج بأنهم يستعدون لسنة حرجة سيكون عليهم خلالها أن يختاروا بين عهدة خامسة من المؤكد أن عواقبها ستكون كارثية على المستوى الأخلاقي والسياسي والاقتصادي، وبين أفق جديد بكل ما يسمح به تحقيق انتقال تاريخي من وعود وآمال.

نتيجة هذا الخيار ستكون بالنسبة لهم إما بداية انطلاقة جديدة في التاريخ؛ وإما الاستسلام لاستعمار داخلي سيولد من رحم التحالف الذي يجمع منذ السنوات القليلة الماضية استبدادا سياسيا من عصر آخر، مع أوليغارشيا مالية اغتنت من المحسوبية والصفقات العمومية وتضخيم الفواتير بالعملة الصعبة والفساد والاقتصاد الموازي.

فعلا فما هو الفرق بين أن نكون ملكية لقوة استعمارية أجنبية، وأن نكون ملكية لعصابة لا تكترث سوى بمصالح أفرادها؟ هذا هو حال الجزائر حاليا: ملكية خاصة لمجموعة من الأشخاص، سلطنة ودولتها «بيلك”، بقرة حلوب تستغلها مختلف العصابات التي تدور في فلك السلطة.

هي أولا وقبل كل شيء الأجيال الجديدة من جزائريي الداخل والخارج، من مختلف التيارات السياسية، ومن النخب الفكرية والاجتماعية، ومن الجيش وقوات الأمن الذين يجب عليهم التخلي عن فكرة أنهم في خدمة السلطة كما كان الانكشاريون في عهد الدّاي والباي. فجهود الجميع لازمة ومرحب بها في معركة المصير هذه…” (نهاية المقتطف)

*قبل مدة من “النداء إلى ثورة مواطنة”، توقعت في أغسطس 2017 أن تكون الإقالة المهينة للوزير الأول السابق عبد المجيد تبون بمثابة “حصلة لن نخرج منها سالمين”. وأقمتم العلاقة بينها و بين سيطرة المافيا المالية على الدولة. هل من الممكن اليوم تخليص الدولة من قبضة هذه المافيا؟

**ن.ب: هذا المقال نشر في 16 اغسطس 2017 في عدة وسائل إعلام بالعربية والفرنسية. هذه مقتطفات منه:

(بداية المقتطف) ” إن البلاد اليوم واقعة في مخالب الفساد وقوى المال، وخادميهم الذين يسخرون حياتهم لكنس ما يتركوه لهم وراءهم هؤلاء لكي لا يرى المواطنين ما تركوه من قذرات. وسيكون الأمر أشد مما نعيش في الوقت القريب. لم يكن أبدا في الجزائر “شعبا سيدا” و”دولة قانون” و”مؤسسات ديمقراطية” و”برلمان يمثل إرادة الشعب” و”انتخابات” و”معارضة”، في الجزائر لدينا نظام مسخر لحماية شخص الرئيس، ومواليه ورغباته. لسنا في نظام دستوري، لكن في فوضى صارت مؤسسة بحد ذاتها.

اليوم لا نعرف تبعات مرض الرئيس بالضبط ولا إلى أي درجة هو مريض، لكن الجزائر أصبحت مريضة من جراءه، من مرضه الجسدي ومرض السلطة فيه. إن هذا الرجل أصبح يعرقل تكوين دولة القانون والدفع بسياسة صحيحة نبني بها جزائر قوية.

ما نعرفه أن الاستيراد – استيراد import-import سيعود بقوة رغم الأزمة، فقط لكي يجد الشعب ما يأكل ولا يثور، هذا كل ما يهم في الأمر، وإذا استلزم الأمر، أي عندما ستفرغ الخزينة العمومية من صرفها الاحتياطي، سيتوجهون إلى المديونية الخارجية…

ما نحن الجزائريين، فقد برهننا مرة أخرى مدى بدائية ميولنا لغرائزنا ومشاعرنا وانفعالنا. تحكم فينا مشاعرنا مثلما تتحكم حركة القمر في المد والجزر. لا نقي أنفسنا من الشر الذي نراه آتي بل ننتظر أن تحدث الكارثة وبعدها “نتهول” للخلاص منه. لا نمنح أنفسنا وقت التفكير، بل “نترتقوا” وتصيبنا الحمى، ونشتعل كالكبريت قبل أن ننطفأ “كالنوالات”.

نحن قوم قد نقتل من أجل لا شيء وبعدها نبكي ندما أو ننسى ما حدث. نتقبل كل الخدوش التي جرحت حياتنا الوطنية وابتلعناها وامتصصناها كالإسفنج، وبعد أن يتم عصرنا جيدا، نتقبل ضربات أخرى، ونحن مسجونين في هذا النظام العقلي منذ آلاف السنين مثل الهندوس الذين يؤمنون بالتقمص الدوري منذ ظهور الفيدا Védas لديهم.

لا نأخذ الدروس مما حدث لنا من قبل، لا نحاول أن نرى أو نحتسب لما سيأتي به المستقبل، لا نعتزم على أمور مصيرية ونطبقها، لا نحضر عملا جماعيا على المدى الطويل، لكننا نحب أن نتخبط في كأس ماء، أن ننفجر مثل عاصفة صيفية، قوية لكن قصيرة، ونقوم بأعمال الشغب هنا وهناك..

إذا نجحنا في منع عهدة خامسة من خلال جعلها حدًا لا يجب تجاوزه ، فسننتقل من وضع “سكان للجزائر” إلى وضع المواطنين السياديين”. إذا قبلنا بها فسوف نوقع خفض رتبتنا من وضع السكان إلى وضع العبيد” (نهاية المقتطف)

أعتقد أن الأمر لا يستدعي قول شيء آخر.

*ما تعليقك على اقتراح رئيس أركان الجيش الشعبي الوطني الفريق أحمد قايد صالح، فيما يتعلق بتفعيل المادة 102 من الدستور، وهل تعتبر أن تطبيق هذا المادة الدستورية كاف لتجاوز الأزمة الحالية التي خلقها الرئيس المنتهية ولايته؟

**ن.ب: لقد عقبت على تصريح الفريق قايد صالح في نفس المساء، من خلال مقال أشدت فيه بانحياز الجيش لأول مرة إلى جانب الشعب في نزاع يجمع هذا الأخير مع السلطة. و قد كتبت: :

(بداية المقتطف) ” الجيش هو إحدى مؤسسات الدولة التي تتمثل خصوصيتها في كونها المستودع للأسلحة. لا يوجد في الدستور ما يشير إلى “السيادة العسكرية”، أو ما يجيز للجيش اختيار أو فرض رئيس الجمهورية بالقوة أو بالتزوير. هذه الممارسات و هذا العهد انتهيا الآن.

سيتوجب على الثورة المواطنة التي بدأت في 22 فبراير 2019 أن تمضي إلى النهاية لتجسيد جميع أهدافها الديمقراطية.

إنها ليست حركة مطالب مادية أو اجتماعية – مهنية ، بل حركةً تاريخيةً هدفها استعادة ملكية الجزائر، وإدارة مصير الجزائر والحكومة الجزائرية، وفقًا للترتيبات العالمية و العادية لدولة قانون حديثة ومدنية. صفحة آل بوتفليقة طويت الآن.

ويجب أن تليها صفحة “النظام”. في إطار احترام السلمية والشرعية و النظام العام، دون هزات أو عنف أو تصفية للحسابات.” (نهاية المقتطف)

في الصفحتين اللتين تشكلان المقال لم أتعرض إلى المادة 102 إلا في فقرة واحدة: ” لو لم يطلب الجيش تنفيذ المادة 102 كما يطالب به المجتمع منذ سنوات، فمن الذي كان يمكنه أن يفعل ذلك؟ المجلس الدستوري هو المؤسسة الوحيدة المؤهلة في هذا المجال لكن آل بوتفليقة حرصوا على الإقفال عليه بتعيينهم على رأسه قبل شهرين من لا يحق له التواجد فيه. فلم يكن المجلس الدستوري ليفعل ذلك من تلقاء نفسه أبدًا، ولا البرلمان ليصوت على ثبوت المانع.”.

*كيف يُطرح المشكل حاليا؟

** ن ب: نحن اليوم أمام وضع لم يحدده الدستور الجزائري ولا أي دستور آخر في العالم: رئيس انتهت عهدته، عمره 82 سنة و مقعد بفعل الأمراض لكنه (أو حاشيته) لا يريد الذهاب من السلطة بعد أربعة عهدات قضاها فيها..

الشعب خرج بالملايين في الشوارع معلنا رفض منحه عهدة خامسة ترشح إليها من فراش مستشفى خارج البلاد. أمام الفضيحة يخرج الشعب مرة أخرى بأعداد أكبر مطالبا برحيله فور انتهاء العهدة. عندئذ يقرر الرئيس الخروج عن القانون: يلغي الانتخابات المقررة في 19 أفريل بمجرد أمر رئاسي و يطلب تمديدا غير محدود لعهدته. ثم يُقابل برفض شعبي جديد.

عندما قوبلت مناوراته للبقاء في السلطة برفض الشعب الذي يخرج كل جمعة للتظاهر ضده، اختبأ وراء الصمت. أي احتمالات تتاح أمام البلاد في مواجهة انسداد مثل هذا؟ هنالك حلّان: الأول يرتكز على احترام الشرعية الدستورية و روح المسئولية، أمّا الثاني فإلى الخروج عن القانون و التذرع “بروح الثورة” و “مطالب الشعب”.

الأول يمكن أن يصدر عن الرئيس الذي إن كان يتمتع بروح المسئولية و يفكر في مصلحة الوطن، يمكنه أن يرتب خروجه قبل نهاية عهدته بعد اتخاذه القرارات التالية:

1) تعيين وزير أول جديد يتم اختياره من قائمة أشخاص يوصي بهم الحراك الشعبي لتسيير الأمور اليومية للبلاد، ومراجعة القوائم الانتخابية بالتشاور مع الأحزاب وتحضير الوسائل المادية لضمان تنظيم حسن للانتخابات.

2) تعيين أعضاء الهيأة العليا المكلفة بتنظيم الانتخابات الرئاسية، الذين يتم أيضا انتقاؤهم من قائمة شخصيات وأشخاص يقترحها الشعب.

3) تعيين أشخاص جدد للمقاعد الشاغرة من الثلث الرئاسي في مجلس الأمة من بين شخصيات ذات مصداقية ويعرف عنها ابتعادها عن السلطة الحالية.

4) يقدم رئيس مجلس الأمة الحالي استقالته من منصبه ويقوم المجلس بانتخاب رئيس جديد من بين الشخصيات المعيّنة المقترحة من طرف الشعب.

5) يستقيل رئيس الجمهورية، على الأكثر، دقيقة قبل انتهاء عهدته الشرعية

6) رئيس مجلس الأمة الجديد هو من يسير المرحلة النيابية.

7) يمكن إيجاد توافق مع ممثلين منتدبين عن الحراك إذا استوجب الأمر تمديدا استثنائيا لفترة النيابة. ليمكن انتخاب الرئيس الجديد في شهر سبتمبر.

8) هكذا، يبقى لدى الحراك وقت كاف لوضع أرضية سياسية يشارك بها في الانتخابات الرئاسية.

9) إقصاء أحزاب التحالف الرئاسي من المشاركة في الانتخابات الرئاسية.

في 26 مارس ، أصدر الفريق قايد صالح بيانًا علنيا يطالب من خلاله الجيشُ بتفعيل المادة 102. هذا يشير إلى أنه لم يكن ممكنا التوصل إلى اتفاق مع الرئيس (أو حاشيته) وان هذا الأخير لن يستقيل. يمر الوقت ولم يجتمع المجلس الدستوري بعد ، مما يشير إلى رفضه هو الآخر الاجتماع:

ما العمل في مواجهة هذا الانسداد وهذه الابتعاد عن الشرعية؟ موقفي الشخصي هو التمسك دائما بالشرعية. كان ذلك موقفي في 1991 أيضا عشية توقيف المسار الانتخابي الذي أدخلنا في مغامرة استمرت عشر سنوات وكلفت مئات الآلاف من القتلى. حتى عندما لا نستطيع التقيد الصارم بالشرعية ، يجب أن نبقى أقرب ما يمكن منها..

في هذا السياق، يعتبر تطبيق القانون 102 أحسن من الاستقالة طواعية حيث يمنح ذلك فترة نيابة أطول. لكن ذلك يتوقف على موافقة الرئيس و استعداده للتعاون من أجل تفادي المغامرة بمصير البلاد

أولئك الذين يرفضون المادة 102 بعد أن طالبوا بها لسنوات هم في الواقع يدعمون موقف بوتفليقة في الصراع الحالي. ما يهمهم هو ركوب موجة “الحراك” عن طريق الإفراط والتطرّف. إنهم يسعون إلى مواجهة الجيش بالشعب في الوقت الذي اتخذ فيه الأخير جانب هذا الأخير.

لا أحد يستطيع تفكيك النظام عبر الخروج عن القانون، ولا تحقيق ذلك في بضعة أشهر أو سنوات. سيكون من السهل إبعاد الشخصيات البارزة التي جسدت النظام ، لكن من الصعب للغاية كشف أولئك الذين يختبئون في الظل منذ سنوات وعقود على مختلف مستويات جميع المؤسسات مهما كانت. هذا يتطلب سلطة شرعية وقانونية، بدعم شعبي قوي و رؤية واضحة للحلول السياسية والاقتصادية. و هي شروط التي لا يمتلكها، بحكم تعريفهم، المحرّضون والفوضويون والانتهازيون.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى