الرئيسيةالعالمسلايدر

مأساة الخليج : أبعاد وتداعيات الحصاد المر للربيع العربي..

د . محمد لعقاب

وجدت نفسي كجزائري من الصعب علي أن أقتنع بمختلف طروحات دول الخليج بخصوص عدة ملفات ناتجة عن الربيع العربي والتي تسببت في قطع السعودية والإمارات والبحرين إلى جانب مصر علاقاتها مع قطر منذ 5 جوان 2017 ، نظرا لتناقضات المواقف في السياسة الخارجية لدول الخليج، خاصة بعد أحداث الربيع العربي عام 2011، ونظرا لما تنشره وسائل إعلام هذه البلدان نفسها عن تورط دول الخليج في تمويل الإرهاب وزعزعة استقرار الدول العربية.

ماذا يمكن تسمية ما يحدث في دول مجلس التعاون الخليجي، هل هو كسر عظام؟ هل هو تغول دولة على أخرى؟ هل هو انهيار أخلاقي؟ هل هو تهور على طريقة صدام حسين عام 1990 ؟ هل هو فقدان للتوازن السياسي والفكري؟ هل هو ربيع عربي في الخليج؟ أم هو حصاد خليجي للربيع العربي؟ أم هو مأساة ستكون نتائجها سلبية على كل دول الخليج بدون استثناء وربما تمتد نتائجها لدول أخرى في المحيط الجغرافي والإقليمي.؟

إن ما يحدث بين الأشقاء في الخليج العربي هو مأساة حقيقية، حيث تعمد كل دولة إلى نشر غسيل الدولة الأخرى عبر وسائل الإعلام المختلفة في حرب دعائية شرسة، فعندما نتابع القنوات ووسائل الإعلام القطرية أو المقربة من قطر نشعر وكأن كل مآسي العالم خاصة العالم العربي والإسلامي سببها السعودية والإمارات، وعندما نتابع القنوات ووسائل الإعلام الإماراتية أو السعودية أو المقربة منهما نشعر أن قطر هي الشيطان الأكبر الذي يجب محاربته.

وفي محصلة الحرب الدعائية والحرب الدعائية المضادة بين قطر من جهة والإمارات والسعودية والبحرين ومصر من جهة أخرى، فإن معظم دول الخليج متورطة في تمويل الإرهاب وفي الإنهيار العربي العام نتيجة تدخلها المفضوح بالمال والسلاح في شؤون دول عربية أخرى، من تونس إلى مصر ، مرورا بليبيا وصولا إلى سوريا والعراق واليمن.

دول الخليج والربيع لعربي

في الحقيقة كان تدخل معظم دول الخليج في الشؤون العربية الداخلية واضحا عندما بدأ الربيع العربي، حيث لم تبق دوله مكتوفة الأيدي، ولا متفرجة على الأحداث، ولا مساعدة على تجاوزها، بل إن معظم هذه الدول تدخلت بشكل أو بآخر في الشؤون الداخلية لدول عربية أخرى.

مع تباين الموقف، فالدول المقاطعة لقطر تتهم قطر بأنها عراب الربيع العربي، أي أنها تدخلت لإسقاط الأنظمة، بينما تدخلت الدول الأخرى بعد خراب مالطة في شكل ثورة مضادة للربيع العربي أو لترتيبات تناسبها في دول الربيع العربي.

هذا التدخل، يعد أبرز اسباب الأزمة الخليجية الراهنة، فالأصل الدبلوماسي هو أن التدخل في شؤون الآخرين عمل مشين، لكن معظم دول الخليج لم تعتبره كذلك.

وقد كشفت الحرب الدعائية القائمة حاليا بين دول الخليج بالدليل والتحليل تورط هذه الدول في مآسي دول الربيع العربي، سواء يالإسهام في انهيار أنظمة حكم، أو بالإسهام في تعطيل الحلول السياسية وإعادة بناء دول جديدة، أو بالتدخل العسكري وتمويل بعض أطراف النزاع على حساب أطراف أخرى.

 

الخليجيون يتحاربون في ليبيا

تعتبر الأزمة الليبية واحدة من الأزمات الصانعة لمأساة دول الخليج العربي اليوم، فبعد أن ساهمت معظم دوله في الإطاحة بالعقيد معمر القذافي سياسيا ودبلوماسيا وعسكريا وإعلاميا، حدث خلاف واضح بينها في كيفية إعادة بناء الدولة الليبية، ففي الوقت الذي تدعم فيه دولة قطر حكومة الوفاق الوطني بقيادة فايز السراج المعترف بها دوليا، فإن دول خليجية أخرى مثل الإمارات العربية تدعم حفتر، وتسميه قائد الجيش الوطني الليبي، وقد استقبلته عدة مرات في أبوظبي، ودعمته بالأسلحة رغم حظر الأمم المتحدة توريد السلاح إلى ليبيا.

وفي مقال نشره الموقع الإلكتروني “الخليج الجديد” بعنوان “الدور الخليجي الخفي في أزمات ليبيا” بتاريخ 19/09/2014  أي قبل قطع العلاقات مع قطر بحولين كاملين، قال الكاتب أسامة بدر:”بينما تتنافس حكومتان متعارضتان وسط أجواء العنف والفوضى في ليبيا، تستمرّ دول الخليج العربي في التنافس على فرض النفوذ في ليبيا وتستخدم مصر كنقطة انطلاق.”

ويشير الكاتب على سبيل المثال إلى أنه بتاريخ 7 سبتمبر 2014 ، وصل وفد رسمي من المملكة العربية السعودية إلى القاهرة لعقد اجتماعات رفيعة المستوى مع الرئيس المصري وكانت الأوضاع في ليبيا على رأس جدول الأعمال.

وكانت الشائعات حينها قد انتشرت حول تدخل دول الخليج في ليبيا بعد قيام طائرة من طراز سوخوي سو 24 (التي لم تعد تستخدمها القوات الجوية الليبية) بضرب أهداف في مصراتة وطرابلس شهر أوت 2014، ثم توالت الأخبار –حسب الكاتب- أن مسؤولين في البنتاغون أفادوا بأنّ الضربة الجوية قد تمت عن طريق طيارين إماراتيين وأنها انطلقت من قواعد عسكرية مصرية.

وفي ذات الوقت تتخذ دولة قطر موقفا مخالفا للإمارات والسعودية، بدعم أحزاب الإسلامية، وخاصة جماعة الإخوان المسلمين في ليبيا في قتالها ضد الجنرال خليفة حفتر. كما قال اسامة بدر في مقاله أن قطر كانت قد موّلت المجلس العسكري الإسلامي في طرابلس، الذي يضم أعضاء سابقين في الجماعة الإسلامية الليبية المقاتلة، وغيرها من الأدلة.

هذا جزء من معلومات عن تدخل دول الخليج قبل مقاطعة قطر في الشأن الليبي، لكن المعلومات التي تسربت بعد 5 جوان 2017 صادمة للرأي العام العربي خاصة والدولي عامة.

فقد نشر موقع العربية.نت التابع للسعودية تقريرا بعنوان: “بالوثائق والأدلة.. جرائم قطر في ليبيا” نشر بتاريخ 9 يونيو 2017، تقول فيه أن قيادة الجيش الليبي عرضت أدلة ووثائق بالصوت والصورة، تؤكد تورط دولة قطر رسميا في دعم الجماعات الإرهابية منذ سنة 2011، وتمويل العمليات المسلحة التي حصلت في ليبيا، بهدف زعزعة الاستقرار وضرب عملية التحول الديمقراطي.

ونقل الموقع تصريح المتحدث باسم الجيش الليبي (الموالي لحفتر)، العقيد أحمد المسماري، الذي قال :”أن هذه الدولة لعبت دورا قذرا في ليبيا منذ الثورة التي أطاحت بنظام معمر القذافي.”

وأضاف التقرير أن وثيقة أظهرت تورط مسؤولين قطريين في تأجيج الخلافات في ليبيا من خلال نشر قوات عسكرية قطرية على الأراضي الليبية، وتحويل مبلغ قدره 8 مليارات دولار من البنك القطري التونسي إلى بنك الإسكان بمحافظة تطاوين جنوبي تونس، ليتم فيما بعد إرساله إلى ليبيا لدعم الجماعات الإسلامية.

وذكر التقرير أن قطر ساهمت في إرسال 8000 مقاتل من ليبيا إلى سوريا قبل العودة بهم إلى ليبيا، وتم نقلهم بطائرات قطرية، وأن قطر كانت وراء سلسلة من عمليات الاغتيال التي طالت قيادات بارزة من الجنود والضباط والشرطة، وعلى رأسهم عبد الفتاح يونس، رئيس أركان الجيش الليبي خلال الثورة، وأن الطائرات القطرية كانت تهبط على الأراضي الليبية بمطار “بنينا الدولي” لتزويد “مجلس ثوار بنغازي” بالأسلحة المتطورة.

وبتاريخ 10 جوان 2017 ، ركزت وسائل الإعلام االقطرية والموالية لقطرعلى تقرير للأمم المتحدة تتهم فيه دولة الإمارات بانتهاك حظر الأسلحة المفروض على ليبيا وبتقديم مروحيات قتالية وطائرات حربية لقوات خليفة حفتر. وجاء في التقرير الذي أعده خبراء من المنظمة الدولية أن أبو ظبي قدمت الدعم المادي والدعم المباشر “للجيش الوطني الليبي” الذي يقوده حفتر، منهكة حظر تصدير الأسلحة إلى ليبيا الذي فرضته المنظمة الدولية.

وقال خبراء الأمم المتحدة أنهم تمكنوا من تتبع تسليم شحنات مروحيات قتالية مصنوعة في بيلاروسيا إلى الإمارات العربية المتحدة وقدّموا صوراً تظهر وجود هذه المروحيات في قاعدة الخادم الجوية في شرق ليبيا معقل حفتر.

وجاء في التقرير أن المروحيات القتالية من طراز “مي-24 ب” تم تسليمها إلى “الجيش الوطني الليبي” في أفريل 2015. وقد أكدت بيلاروسيا أنها باعت أربع مروحيات إلى الامارات في 2014. وأكد الخبراء أيضا أن الإمارات زودت “الجيش الوطني الليبي” بطائرة واحدة على الأقل من طراز “إيه تي-802 آي”، مشيرين إلى أن عربات مدرعة مصدرها شركات تتخذ من الإمارات مقرا لها قد تم تسليمها إلى قوات هذا الجيش في طبرق في أفريل 2016.

ويتوافق موقف الإمارات مع الموقف المصري، حيث قام الجيش المصري عدة مرات بانتهاك سيادة ليبيا وقصف مواقع للإرهابيين في الأراضي الليبية. لأن كل من مصر والإمارات يعتبرون خليفة حفتر رجل وطني بينما يعتبرون الفصائل الأخرى “إخوان مسلمين” أي إرهابيين تجب محاربتهم.

ومن منظور سياسي، فإن مواقف دول الخليج في ليبيا، لا تخدم وجهة النظر الجزائرية لحل الأزمة، لأن دعم حفتر على حساب الفصائل الأخرى أو الحكومة المعترف بها أو العكس، يطيل في عمر الأزمة، ويعصف بالحل السياسي لها، ويزيد في تعقد الحل وانتشار الأسلحة ويمنح الفرص للتدخل الأجنبي أكثر فأكثر.

 

مصر: الثورة خليجية .. والثورة المضادة أيضا

في مصر تدخلت قطر مؤيدة لثورة الاطاحة بحسني مبارك عام 2011، ومؤيدة وداعمة وصول الإخوان إلى الحكم، ممثلين في الرئيس المنتخب محمد مرسي.

ولأن السعودية والإمارات تعتبران الإخوان جماعة إرهابية، فقد تدخلتا ومعهما دولة الكويت ضد محمد مرسي، مؤيدين لثورة الإطاحة به، في ما يسمى الثورة المضادة أو ثورة 3 يوليو، ثم تأييد وصول الجنرال عبد الفتاح السيسي إلى الحكم. وقد قدمت هذه الدول الثلاث نحو 12 مليار دولار لدعم الحكم الجديد بقيادة الجنرال عبد الفتاح السيسي.

ويبدو، أنه نتيجة لذلك تنازل الجنرال السيسي عن ثلاث جزر للسعودية، فيما تقول السعودية أنه حقها الطبيعي، وتسمي ذلك مسألة “ترسيم حدود”، بينما تعتبره أطراف أخرى تنازل عن السيادة المصرية مقابل الدعم ضد الإخوان.

ووقفت قطر وقناة الجزيرة ضد هذه الصفقة، وتسمي حكم السيسي بالحكم الإنقلابي. وهو ما تعبره دول الخليج خروج عن الصف الخليجي، بينما تعتبره قطر مسألة سيادة حيث يجوز لأي دولة أن تتخذ الموقف الذي تريد.

إن التدخل في الشأن الداخلي المصري سواء خلال ثورة الربيع العربي ضد مبارك، أو ثورة 3 يوليو ضد مرسي، يعد واحد من أسباب مأساة الخليج اليوم أيضا.

 

سوريا: توحد دول الخليج ثم تفرقهم

يبدو أن الموقف من سوريا كواحدة من دول الربيع العربي وتحديدا الموقف من نظام بشار الأسد الذي تعتبره مواليا ومتحالفا مع إيران، قد وحّد موقف دول مجلس التعاون الخليجي، فهم يجمعون على ضرورة رحيل بشار الأسد، لذلك تدخلت معظم دول الخليج في الشأن الداخلي السوري من خلال دعم المعارضة السورية،

لكن دول الخليج اختلفت في شكل المعارضة التي يجب تدعيمها، فدولة قطر تدعم الإخوان كجماعة النصرة، بينما تعتبر الدول الخليجية الأخرى مثل السعودية والإمارات جماعة النصرة جماعة إرهابية.

لذلك يصعب الإقتناع بمواقف دول الخليج، ففي الوقت الذي يقفون فيه ضد الربيع العربي في مصر، يقفون مؤيدين للربيع العربي في سوريا، وفي الوقت الذي يعتبرون حمل السلاح ضد النظام من طرف الإخوان إرهاب، يعتبرونه في سوريا ثورة.

 

اليمن: امتداد إستراتيجي للخليج ..وإيران أيضا

تعتبر اليمن واحدة من دول الربيع العربي المنهارة أيضا، والتي تدخلت دول الخليج في شأنها الداخلي سياسيا ثم عسكريا، لإعادة الشرعية لنظام الحكم، الذي انقلبت عليه جماعة الحوثي الموالية لإيران، وجماعة علي عبد الله صالح الرئيس اليمني السابق المتحالف مع الحوثيين، وبعد نحو 3 سنوات من التدخل العسكري بقيادة السعودية للتحالف العربي في اليمن، لا يوجد أي مؤشر عن النصر المبين ولا عن إعادة بناء الدولة اليمنية. بل إن هناك حديث عن انقسام الرؤى بين دول الخليج، تبعا لانقسام الأهداف.

وبعد قطع العلاقات مع قطر، سربت قناة الجزيرة عدة ملفات دعائية تؤشر للخلاف الخليجي في اليمن، بدء من شكل الحكم، إلى تأييد الإمارات لانفصال الجنوب من جديد، إلى سيطرة الإمارات على المطارات والمواني وغيرها، فضلا عن الإنعكاسات الإجتماعية للحرب، مثل تفشي الكوليرا في معظم محافظات اليمن.

في ذات الوقت تتهم الدول المقاطعة لقطر الدوحة بلعب دور لا تنسجم مع أهداف دول الخليج الأخرى في اليمن، حيث نشر  مركز المستقبل للدراسات والأبحاث المتقدمة (الإمارات) ملفا شاملا حول الأزمة بتاريخ 14 يوليو 2017 ، من بين ما تضمن مقالا للكاتب أحمد عاطف بعنوان احتواء التهديدات: تداعيات الأزمة القطرية على الأوضاع في اليمن، يحدد فيه الدور القطري في اليمن المخالف لسياسة دول الخليج الأخرى في 4 نقاط هي:

1- الوساطة في حروب “صعدة” الستة: كانت بداية التدخل القطري الفعَّال في اليمن قيامها بالوساطة في حروب “صعدة” الستة بين الدولة اليمنية والحوثيين المتمردين خلال الفترة ما بين عام 2004 وعام 2010، وتمكنت من نسج علاقات قوية بين أطراف الصراع في اليمن، وهو ما كان سبباً في توجيه الاتهامات لها بالارتباط بالحوثيين في مرحلة ما بعد الثورة اليمنية، ثم الانقلاب على الحكومة الشرعية في عام 2014.

2- مساندة الثورة اليمنية ضد صالح: في عام 2011 أيدت قطر الاحتجاجات ضد الرئيس علي عبدالله صالح، وكانت طرفاً في المبادرة الخليجية لتحقيق الانتقال السياسي في اليمن، وحرصت على ضمان دور بارز لحزب التجمع اليمني للإصلاح (الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين في اليمن) في العملية السياسية .

3- المشاركة في التحالف العربي: بدأ الانقلاب الحوثي على السلطة الشرعية في اليمن في سبتمبر 2014 عندما اقتحم الحوثيون مؤسسات أمنية ووزارات حكومية في البلاد، ثم تطورت الأحداث وقدم الرئيس عبدربه منصور هادي استقالته بعد هجوم الحوثيين على قصر الرئاسة في 19 يناير 2015. ودفعت هذه التطورات دول التحالف العربي بقيادة السعودية إلى شن “عاصفة الحزم” في مارس 2015 من أجل استعادة الشرعية في اليمن، وهي العمليات العسكرية التي دعمتها وشاركت فيها قطر.

4- دعم حزب التجمع اليمني للإصلاح: في إطار سياساتها الخارجية الداعمة للإخوان، سعت قطر إلى زيادة نفوذ جماعة الإخوان المسلمين في اليمن عبر ممثلها حزب التجمع اليمني للإصلاح، وقدمت للحزب الدعم المالي واللوجيستي، وكان لها دور في وصول قياداته لأعلى المناصب في الدولة اليمنية، مثل علي محسن الأحمر نائب رئيس الجمهورية، فضلاً عن وجود عدد من وزراء التجمع اليمني للإصلاح في الحكومة الشرعية.

الآن، وبعد قطع العلاقات مع الدوحة، تم طرد قطر من التحالف العربي، الأمر الذي قد يؤثر على الوضع في اليمن، خاصة إذا تحالفت قطر مع إيران والحوثيين، فاليمن تعتبره إيران عمق استراتيجي أيضا، باعتباره الظهر الذي يحمي السعودية أو يطعنها.

 

حركة حمس الفلسطينية: مقاومة أو إرهابية؟

يعتبر الموقف من حركة حماس الفلسطينية واحد من أهم نقاط الخلاف بين دولة قطر ودول مجلس التعاون الخليجي، ففي الوقت الذي تعتبرها الإمارات والسعودية منظمة إرهابية، وتطالب بطرد رموزها من قطر، تعتبرها الدوحة منظمة مقاومة وتقوم بدفع رواتب العمال في غزة، وتعمل على إعادة إعمارها.

والمفارقة أنه حتى خلال العدوان الإسرائيلي على غزة عام 2009، فإن الإمارات والسعودية ومصر عن طريق وسائل إعلامها على الأقل كانت ضد حركة حماس، بينما كانت قطر عن طريق الجزيرة تدعمها بشكل مطلق.

وكان ممكنا لكل الدول العربية والإسلامية أن تترك المقاومة وشأنها، لأن المقاومة للإحتلال حق مشروع، سواء أكانت إخوانية، أو شيوعية، أو ليبرالية أو حتى ملحدة.

لذلك أحدث تصريح السفير  السعودي بالجزائر الدكتور سامي عبد الله الصالح ردود فعل غاضبة عبر مواقع التواصل الإجتماعي من طرف إخوان الجزائر بسبب اعتباره حركة الإخوان جماعة إرهابية وحركة المقاومة الإسلامية حماس بـ “الإرهابية”، حيث أدانت حركة مجتمع السلم (تنتمي لتيار الإخوان) تصريح السفير السعودي بوصف حماس بالإرهابية، وقالت في بيان لها إنها تدين هذا التصريح أشد الإدانة، وتدعو السفير السعودي إلى التصحيح والاعتذار إلى الشعوب المساندة لحق الكفاح ضد الاحتلال. معتبرة ما قاله السفير انحرافاً عن الحق والعدل والمواثيق الدولية، واعتداء على قافلة الشهداء التي قدمتها حماس على مستوى قادتها ورموزها.

كما طالب رئيس الكتلة النيابية لحركة مجتمع السلم في المجلس الشعبي الوطني ناصر حمدادوش السفير السعودي بأن يحترم شعور الشعب الجزائري تجاه القضية المركزية (الفلسطينية)، ودعاه إلى “سحب تصريحه العدائي تجاه المقاومة الفلسطينية، وألا يستغل منصبه الدبلوماسي في الجزائر للترويج لتوجّهات غير عربية وغير إسلامية”. كما طالب الخارجية الجزائرية باستدعاء السفير وتنبيهه إلى خطورة هذه التصريحات على أرض الجزائر”.

من جانبه، قال الأمين العام لحركة البناء الوطني (حركة إخوانية) أحمد الدان في بيان للحركة “ننتظر من الدبلوماسية الجزائرية استدعاء السفير السعودي لإبلاغه موقف الجزائر، ومطالبته باحترام الشعب الجزائري ومواقفه المؤيدة لتحرير فلسطين والأقصى”.

 

الإخوان: إرهابيون في السعودية والإمارات .. زعماء في قطر

يعتبر تباين الموقف من الإخوان، الذين صعدوا بقوة، خلال أحداث الربيع العربي للواجهة السياسية العربية، واحد من الملفات التي خلقت ماساة الخليج الراهنة.

وقد نصّت مواد الاتفاقات بين قطر ودول الخليج لعامي 2013 و2014 على وقف دعم قطر للإخوان المسلمين ماديًّا وإعلاميًّا، سواء داخل مجلس التعاون أو خارجه (مثل مصر واليمن وزليبيا وسوريا وفلسطين وغيرها). لكن دول الخليج المقاطعة ترى أن قطر فعلت العكس تمامًا. حيث وفرت الحماية لكثير من أعضاء الجماعة بعد ما،تسميه الدول المقاطعة لقطر، ثورة 30 يونيو 2013 في مصر، (وتسميه قطر الإنقلاب العسكري على الشرعية بعزل الرئيس المصري الأسبق محمد مرسي) واستضافتهم في الدوحة، ووفرت لهم منابر إعلامية لشن هجوم على السلطات المصرية.

بينما لا تعتبر قطر الإخوان جماعة إرهابية، حيث قال وزير الخارجية القطري محمد عبدالرحمن آل ثاني، يوم 6 يوليو 2017 ، بأن “الإخوان المسلمين ليسوا إرهابيين بدولتنا”.

وقد قررت كل من السعودية والإمارات ومصر والبحرين تصنيف حركة الإخوان كمنظمة إرهابية، كل الإخوان بدون استثناء. الأمر الذي يستعصي فهمه لدى المحللين، فلو تم تصنيف كل دولة لجماعة الإخوان فيها على أنها جماعة إرهابية، لتم اعتبار ذلك شأنا داخليا، لكن هناك تناقض في تطبيق هذا التصنيف، فدولة الإمارات والسعودية تقيم علاقات متينة جدا بل حليفة مع المملكة المغربية رغم أن حكومتها إخوانية، ولها علاقات مع تركيا وهي حكومة إخوانية، ولها علاقات مع تونس حيث يشكل الإخوان (حركة النهضة بزعامة راشد الغنوشي) النصف الأساسي من الحكم في عهد الباجي قايد السبسي بصفة خاصة وفي مرحلة ما بعد ثورة الربيع العربي بصفة عامة. ويبررون ذلك بقولهم إن العلاقة مع الحكومات شيء بينما العلاقة مع الجماعت شيء آخر.

لذلك تجد عدة دول صعوبة في فهم الموقف السعودي والإماراتي، ففي الجزائر مثلا نجد صعوبة في القبول بهذا التصنيف، لأن إخوان الجزائر ينشطون سياسيا في إطار دستوري وشرعي، وشاركوا في مختلف الحكومات بحقائب وزارية قبل 2011، وتمت دعوتهم للمشاركة في الحكومة الجديدة المشكلة عام 2017 لكنهم رفضوا، وكذلك، تشارك كل الأحزاب الإسلامية المعتمدة في تنشيط الحياة السياسية في الجزائر ولديها مقاعد في البرلمان الجزائري أي المجلس الشعبي الوطني المنتخب يوم 4 ماي 2016 بما لا يقل عن 50 مقعدا، بل إن أحد الإسلاميين وهو عبد الوهاب دربال يرأس اللجنة الوطنية المستقلة لمراقبة الإنتخابات، كما أن الجزائر تدافع عن خيار الحوار الداخلي ومشاركة معظم الحساسيات في الحكومة.

وفضلا عن ذلك، فإن الدستور الجزائري منذ عام 1989 ورغم التعديلات التي أدخلت عليه ظل يسمح بالتعددية الحزبية، وتحصي الجزائر حاليا نحو 7 أحزاب إسلامية معتمدة بشكل رسمي منها حركة مجتمع السلم، حركة النهضة، جبهة العدالة والتنمية، حركة الإصلاح، جبهة التغيير، حركة البناء، وجبهة الجزائر الجديدة.

وخلال سنوات الإرهاب، لم يحمل الإخوان السلاح مع الجماعات الإرهابية، بل ذهبوا ضحية للإرهاب الذي اغتيال عشرات منهم بمن فيهم أحد كبار قادتها الشيخ بوسليماني.

وعلى هذا الأساس، لا يمكن القبول بتصنيف أي حزب جزائري في قائمة الإرهاب، لأن هذا شأن داخلي، وهذا على سبيل التدليل فقط، وقد ينطبق هذا على تونس حيث تشارك حركة النهضة في الحكم وعلى المغرب حيث يرأس الإخوان الحكومة.

 

تمويل الإرهاب: تورط خليجي .. باعترافات خليجية؟!

من بين أهم التهم التي توجه لقطر هي تهمة تمويل الإرهاب، وفي مقال بعنوان “عقدة الدوحة”: لماذا لم تلتزم قطر بالاتفاقات الخليجية؟ منشور بتاريخ 12 يوليو 2017 في مركز المستقبل للدراسات والأبحاث المتقدة (الإمارات) أشار الكاتب أمل صقر إلى ما اسماه السياسات الإقليمية العدائية للدوحة، ذكر فيها بعض النماذج التي تخص تمويل قطر للإرهاب، حيث يقول أنه على الرغم من النص صراحة في الوثائق الموقعة بين قطر ودول الخليج عامي 2013 و2014 على التزام قطر بعدم تقديم التمويل المادي والدعم المعنوي للتنظيمات التي تهدد أمن واستقرار دول المجلس في اليمن أو سوريا أو غيرها؛ فإن تتبع سلوك قطر منذ توقيع الاتفاقية، يُظهر قيامها بعكس ذلك. فعلى سبيل المثال، موّلت قطر في سوريا تنظيم “أحرار الشام”، وهناك العديد من الأدلة على وجود دعم قطري مباشر لـ”جبهة النصرة”، حيث عقد مسئولون في الاستخبارات القطرية لقاءات عدة مع قادة الجبهة، لـ”غسل سمعتهم” وإعادة تأهيلهم من خلال إقناعهم بإعلان انفصالهم عن تنظيم “القاعدة”، مقابل الحصول على الدعم المادي والسلاح. ويبدو أن التنظيم استجاب لذلك في مناورة منه للبقاء، وهو ما انعكس في تغيير التنظيم اسمه إلى “جبهة فتح الشام”، وإعلان النأي بنفسه عن “القاعدة”.

كذلك لجأت قطر إلى تمويل التنظيمات الإرهابية من خلال “دفع الفدية”. وفي هذا الإطار، كشفت صحيفة “فايننشال تايمز” أن قطر دفعت نحو مليار دولار، منها 400 مليون دولار لصالح إيران بهدف تحرير 26 فردًا من العائلة الحاكمة القطرية الذين تم اختطافهم في جنوب العراق بينما كانوا في رحلة صيد. وأضافت الصحيفة أن قطر دفعت المال في هذه الصفقة التي تمت في أفريل 2017، لجبهة فتح الشام التي تعتبر خليجيا ذراع تنظيم “القاعدة” وللمسؤولين الأمنيين الإيرانيين.

وخلص المقال إلى طرح تساؤلات كيف يذهب أفراد من العائلة الحاكمة القطرية إلى العراق في ظل أوضاعه المعروفة؟ وهذه التساؤلات وغيرها تقود إلى احتمال أن تكون العملية برمّتها محاولة لتمرير الأموال إلى جماعات إرهابية وجهات إيرانية.

وأضاف المقال أن إحدى الوثائق الصادرة عن وزارة الخارجية الأمريكية، والتي تم تسريبها على موقع “ويكيليكس”، أن “القاعدة” و”طالبان” وغيرهما من التنظيمات الإرهابية، تستخدم قنوات معينة في قطر للحصول على التمويل، وأنه على الرغم من امتلاك الحكومة القطرية القدرات اللازمة لوقف هذا التمويل، فإنها لم تفعل.

وذكر المقال تقرير مركز “استوكهولم” لأبحاث السلام، الذي أشار إلى تصدير قطر نحو 2.6 مليون قطعة سلاح لمناطق الصراع بتكلفة 100 مليار دولار أمريكي، وأكدت دراسة لمؤسسة دعم الديمقراطية تحويل قطر نحو 1.5 مليون دولار لمسلحي تنظيم “القاعدة” في العراق، و375 ألفًا لفرع التنظيم بسوريا.

أما بخصوص السعودية والإمارات وحتى قطر، فبتاريخ 22 أكتوبر 2016 نشر موقع سبوتنيك تقريرا يقول فيه أن نتائج التحقيق الذي أجرته شركة “تويوتا” اليابانية حول مصادر تزويدِ تنظيم “داعش” بالآلاف من سياراتها، قد أكدت أن أربع دول عربية اشترتها وسلمتها للتنظيم. وذلك بعد أن سلم الجيش الروسي شركة السيارات اليابانية “تويوتا” صورا لعشرات السيارات التي صادرها الجيش السوري في معاركه على الأرض جميعها كانت مع “داعش”.

وأفاد الموقع أن الحكومتين السورية والروسية قد تسلمتا من شركة “تويوتا” تقريرا أوليا بشأن صور السيارات التي تسلمتها الشركة من المخابرات العسكرية الروسية، وكان أبرز ما جاء فيه: أن 22500 سيارة اشترتها شركة استيراد سعودية الجنسية، فيما اشترت قطر 32000 سيارة، واشترت الإمارات 11650 سيارة، واستورد الجيش الأردني 4500 سيارة باعتماد ائتماني من عدة بنوك سعودية الجنسية.

 

قراءة في مواقف الدول من الأزمة

كل الدول لها حسابات خاصة من الأزمة، ولم تتحرك أبدا بحسن نية، وهذا شيء طبيعي فكل دولة تدافع عن مصالحها.

أمريكا: ثروة الخليج يجب أن تعود للعم سام

إن الولايات المتحدة الأمركية التي شعرت بفشل الوساطة الكويتية، أوفدت وزير خارجيتها للقيام بدور الوسيط الداعم للوساطة الكويتية، ولأمريكا مصالح مع حلفائها الخليجيين، لكن هذه المرة ثمنها قاسي للغاية مع الرئيس دونالد ترامب الذي لم يتردد وفي مناسبات مختلفة أن يعلن نظرته لدول الخليج، فهي دول غنية ولابد من أن تعود تلك الثروة لأمريكا، سواء بدفع ثمن الحماية، ودفع ثمن القواعد العسكرية الموجودة فيه، أو بإبرام صفقات وعقود تجارية وعسكرية، مثلما حدث في قمة الريضاض التي جمعت أمريكا مع 54 دولة من العالم الإسلامي شهر ماي 2017 والتي بعدها مباشرة وقعت المقاطعة لقطر، ثم بعدها صرح الرئيس الأمريكي لقناة تلفزيونية أمريكية أنه اشترط على العاهل السعودي ملايير الدولارات في شكل صفقات مقابل حضوره القمة.

بفضل تلك القمة استفادت أمريكا من نحو 500 مليار دولار صفقات مع السعودية، وصفقة أسلحة مع الدوحة بنحو 12 مليار دولار، وهي صفقة القرن بالنسبة لواشنطن.

أوروبا: مصالح قوية مع دول الخليج

للدول الأوروبية حسابات تخصها، وقد أوضح ذلك الكاتب بهاء محمود في مقال بعنوان سياسات متباينة: آليات تعامل الدول الأوروبية مع الأزمة الخليجية، منشور يوم  22 جوان 2017، في موقع المستقبل للدراسات والأبحاث المتقدمة (الإمارات) يقول فيه أن مواقف الدول الأوروبية من الأزمة تتحكم فيها العلاقات الاستراتيجية في العديد من القطاعات الاقتصادية والعسكرية التي تربط دول الخليج بالدول الأوروبية، وبالتالي فإن الأزمة الخليجية مع قطر قد تؤثر على الشريك الأوروبي، وعلى مسار علاقاته المستقبلية مع دول الخليج العربية. لذلك اختار الاتحاد الأوروبي التعامل مع الأزمة الخليجية بما يمكن تسميته “الحياد الإيجابي”، وعدم إعلان دعمه أي من أطرافها.

لكن الدول الأوروبية الكبرى مثل بريطانيا، وألمانيا، وفرنسا سارعت كل منها بالتدخل بشكل أو بآخر خاصة من خلال إيفاد وزراء خارجيتها للمنطقة، أو استقبال عواصمها وزراء خارجية دول الخليج.

ولكل دول حسابات الربح والخسارة، فبريطانيا التي توجد استثمارات خليجية كبيرة بها تتخذ موقفا حياديا من خلال مطالبة قطر ببذل المزيد من الجهود للحد من تمويل الجماعات الإرهابية، ومطالبة دول الخليج إلى تخفيف إجراءات مقاطعة قطر، وجميع الأطراف إلى تهدئة الأجواء والجلوس على مائدة الحوار.

ويرجع الموقف بريطاني إلى اعتبارات اقتصادية أساسا، فالسعودية منذ عام 2012 وحتى 2016 تأتي في مقدمة الدول المستوردة للأسلحة من بريطانيا. وفي المقابل، ترتبط لندن بشراكة اقتصادية كبيرة مع الدوحة، حيث بلغت الاستثمارات القطرية في بريطانيا نحو 35 مليار جنيه استرليني، ومخطط لها أن تستثمر 5 مليارات أخرى. كما تعتبر قطر ثالث سوق لصادرات بريطانيا في الشرق الأوسط، حيث ارتفعت صادراتها إلى قطر من 1.31 مليار جنيه استرليني في عام 2013 إلى 2.13 مليار جنيه استرليني في عام 2016.

ويُضاف إلى ذلك، مسألة توريد الغاز الطبيعي القطري إلى بريطانيا، حيث تبلغ حصة قطر فيه حوالي 20% من إجمالي احتياجات بريطانيا من الغاز، الأمر الذي يثير قلق لندن في حالة استمرار التصعيد بين دول الخليج وقطر.

وبخلاف بريطانيا، فإن ألمانيا تبدو مناحزة نسبيا للدوحة، حيث طالب المسؤولون الألمان بإنهاء مقاطعة قطر، مؤكدين أن الدوحة شريك استراتيجي في مجال مكافحة الإرهاب، ودعوا كافة الأطراف للحوار، وألقوا باللوم على إدارة الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب” في اندلاع مثل هذه الأزمات.

وقد تبلور ذلك الموقف في تصريحات وزير الخارجية الألماني “زيغمار غابرييل”، يوم 6 جوان بقوله “يبدو أنه يُراد عزل قطر بصورة أو بأخرى.. إن ترامبنة العلاقات في المنطقة، التي تعيش أصلاً أزمات مختلفة، تشكل تهديداً خاصاً”. وأعرب “غابرييل” عن قلقه البالغ من “التصعيد الحاد للوضع وتداعياته على المنطقة برمتها”.

ويتأسس الموقف الألماني للدوحة على العامل الإقتصادي اساسا حيث تبلغ الاستثمارات القطرية في ألمانيا حوالي 25 مليار يورو، علاوة على حصة قطر في مصرف “دويتشه بنك” بنسبة 10%، وحجم الصادرات الألمانية إلى قطر 2.5 مليار يورو، كما تمتلك قطر 17% من أسهم شركة “فولكسفاغن” للسيارات.

أما فرنسا التي تقيم علاقات استراتيجية مع كل أطراف الأزمة، فقد أوفدت وزير خارجيتها للوساطة لأن الإنحياز لا يخدم مصالحها.

انحياز تركيا: قطر بوابة النفوذ التركي في المنطقة

حاولت تركيا منذ اليوم الأول لاندلاع الأزمة الخليجية – القطرية إلأى لعب دور الوسيط، لكنها لم تفلح، وبعد يومين فقط أي بتاريخ 7 جوان انحازت أنقرة إلى الدوحة بشكل واضح بسبب ما تسميها التحليلات الإعلامية “تورط” أو “رغبة” دول الخليج خاصة الإمارات في محاولة الإنقلاب العسكري ضد أردوغان شهر جويلية 2016، في حين وقفت قطر ضد محاولة الإنقلاب ضد اردوغان. لذلك قدمت تركيا الدعم السياسي والاقتصادي والعسكري لقطر الخليجية.

وبشكل يبدو أنه كان محضر سلفا، وبعد ثلاثة ايام فقط من الأزمة، وبتاريخ 8 جوان صادق البرلمان التركي على اتفاقية تسمح بنشر قوات تركية في قطر تم التوقيع عليها في 28 أفريل 2016 ، وصادق ليها الرئيس التركي في اليوم التال، وبعدها تم إنشاء قاعد تركية في قطر.

ويرجع الموقف التركي من الأزمة أيضا حسب مقال بعنوان أسباب الانحياز التركي لقطر في أزمتها الخليجية، للكاتبعبد اللطيف حجازي منشور بتاريخ  15 يونيو 2017، في موقع مركز الدراسات والأبحاث المتقدمة (الإمارات)، إلى كون قطر حليف أساسي لتركيا في المنطقة العربية، حيث تتبنى الدولتان سياسات متطابقة تجاه قضايا المنطقة، خاصةً في سوريا والعراق وليبيا ومصر، وتقدمان الدعم لجماعة الإخوان المسلمين، وتعتمدان عليها كأداة للنفوذ ولتنفيذ سياساتهما بالمنطقة. وتعتبر تركيا فشل الإخوان في المنطقة العربية فشلا لنفوذها في المنطقة العربية برمتها.

كذلك تتخوف تركيا من التأثير السلبي للمقاطعة الخليجية لقطر والتي تؤدي إلى مزيد  من تراجع الاستثمارات القطرية في تركيا، والتي تبلغ نحو 20 مليار دولار ويتركز أغلبها في قطاعات الزراعة والسياحة والعقار والبنوك.

إيران : المستفيد الأكبر

تبدو إيران أكبر مستفيد من تهلهل الصف الخليجي ومجلس التعاون لدول مجلس الخليج، رغم أن أحد أسباب أزمة الخليج هي العلاقات القطرية مع إيران، وطهران سياسيا واستراتيجيا لا تساعدها دول خليج متماسكة وموحدة وذات مؤسسات مالية واقتصادية وعسكرية، ولأن إيران أصبحت جزء من مشكلات المنطقة بتواجدها عسكريا وسياسيا واقتصاديا وحتى مذهبيا، فإنها تنظر للخلاف بين قطر ودول الخليج الأخرى كغنيمة ومكسب تاكتيكي واستراتيجي. لذلك أعلن وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، في 14 يونيو 2017، بأن “إيران ستوفر لقطر الاحتياجات الإنسانية اللازمة التي تحتاجها”.

وتجدر الإشارة إلى أن إيران لن تنسى موقف دول الخليج الداعم للعراق في حرب 1980، وبعد أن انتقمت من صدام حسين بعد مساعدتها لأمريكا في احتلال العراق عام 2003 وتدمير العراق كلية وسيادة الفوضى الشاملة وقيام حكومات طائفية، مع احتمال انفصال الأكراد وقيام دولة كردية بعد استفتاء سبتمبر 2017 ، بقي لإيران مواصلة تحقيق المكاسب.

لذلك جاء “تورط ” دول الخليج في اليمن فرصة مناسبة لاستنزاف دول الخليج، فعاصفة الحزم ما زات متواصلة لقرابة الثلاث سنوات، ونتائجها الظاهرة هي سلبية في معظم جوانبها بالنسبة لليمنيين.

ثم تأتي الأزمة الخليجية مع قطر، التي ترغب طهران في استغلالها استغلالا أمثلا، ففي مقال بعنوان ثغرة الاستراتيجية: كيف تستفيد إيران من الأزمة الخليجية؟ نشر بتاريخ 3 جويلية 2017 في مركز الدراسات والأبحاث المتقدمة قال محمد خلفان الصوافي أنه مع اندلاع أي أزمة في منطقة الشرق الأوسط، تسود حالة من الترقب انتظاراً لكيفية استغلال النظام الإيراني هذه الأزمة لصالحه، حيث تكرر هذا الأمر كثيراً، خاصةً في ظل علاقة طهران مع عدد من التنظيمات الطائفية في بعض الدول العربية، مثل حزب الله اللبناني، والحوثيين في اليمن.

غير أن الوضع يبدو مختلفاً في الأزمة الحالية بين كل من السعودية والإمارات والبحرين ومصر من ناحية وقطر من ناحية أخرى، حيث إن الأزمة هذه المرة على مستوى دولة وليست على مستوى تنظيم أو ميليشيا كما كان يحدث سابقاً، وبالتالي فإن تداعياتها المتوقعة ستكون أكثر حدة، كما تختلف أيضاً من حيث حجم التطورات التي قد تطرأ على المنظومة الخليجية؛ والتي تعد الأكثر تماسكاً عربياً في مواجهة الأطماع الإقليمية لإيران.  لكن الكاتب يعتبر أن التفاهم بين الدولتين قد يستغرق مدة قصيرة لأنه تفاهم تاكتيكي وليس استراتيجي.

ومهما يكن فإن التقارب بين الدوحة وقطر بسبب الأزمة الراهنة فرصة تاريخية لإيران لإضعاف منظومة التعاون الخليجي، وتصريحات أمير دولة قطر الشيخ تميم بن حمد بن خليفة آل ثاني، القائلة أن إيران “تمثل ثقلاً إقليمياً وإسلامياً لا يمكن تجاهله، وأنه ليس من المصلحة التصعيد معها”، تعتبر فرصة لزيادة التباعد بين قطر وجيرانها.

لذلك ومباشرة بعد قرار المقاطعة، أعلنت إيران ارتفاع عدد رحلات طيران قطر التي تعبر الأجواء الإيرانية إلى ما بين 100 و150 رحلة يومية، كما اعتبر رئيس اتحاد المصدرين الإيراني محمد لاهوتي، يوم 6 جوان 2017، أن الأزمة بين قطر وبعض الدول العربية تشكل فرصة مهمة لإيران من الناحية الاقتصادية، لأن قطر تستورد سنوياً من البلدان المحيطة بها نحو 5 مليارات دولار من الأغذية، و”يمكن لإيران تلبية ذلك”.

وهكذا يمكن القول أن إيران نجحت في اختراق الصف الخليجي .

 مجلس التعاون الخليجي: نهاية نموذج

بدون أدنى شك، فإن مجلس التعاون لدول الخليج العربية أو كما يعرف إعلاميا باسم مجلس التعاون الخليجي لن يعود ابدا كما كان منذ نشأته عام 1981، فتحت تأثير الأزمة ستصبح كل دولة تعمل لحسابها الخاص، وربما سوف تفتح الأزمة الباب نحو ميلاد تحالفات جديدة، بدأت ملامحها تلوح في الأفق بعد إقامة قاعدة عسكرية تركية في الدوحة.

لقد كان مجلس التعاون نموذجا للدول العربية، حيث نجحت الدول الست المكونة له (وكلها تطل على الخليج العربيوهي السعودية والإمارات وقطر والكويت والبحرين وسلطنة عمان) في تأسيس المجلس في 25 ماي 1981 لكنها فشلت في المحافظة عليه بعد نحو 36 سنة من إنشائه نتيجة لمقاطعة 3 دول خليجية لقطر بالإضافة إلى مصر، بسبب خلافات بينية وتحديدا حول السياسة الخارجية، بل إن المتتبعين للشأن الخليجي تنبؤوا في عام 2014 بنهاية مجلس التعاون الخليجي بعد إقدام نفس الدول (أي السعودية والإمارات والبحرين) على سحب سفرائها من الدوحة شهر مارس 2014 كمحاولة للضغط على الدوحة لتعديل سلوكها في السياسة الخارجية.

36 سنة ظل خلالها مجلس التعاونى الخليجي نموذجا للعرب، وكان دافعا لميلاد تكتلات أخرى مثل اتحاد المغرب العربي عام 1989 والجامد منذ عام 1994 بسبب إقدام المغرب على غلق الحدود مع الجزائر من جانب واحد وطرد الجزائريين من المغرب وفرض التأشيرة قبل أن تبادلها الجزائر المعاملة بالمثل.

كذلك دفع مجلس التعاون الخليجي إلى ميلاد تحالف رباعي آخر عام 1989 بين العراق واليمن والأردن ومصر، لكنه فشل بسبب إعلان الرئيس العراقي صدام حسين ضم الكويت للعراق والقيام باجتياحها عسكريا عام 1990.

وكان مجلس التعاون الخليجي منذ عام 2011 يفكر في التحول نحو إتحاد خليجي باقتراح من الملك السعودي عبد الله بن عبد العزيز في القمة الخليجية الـ 32 وتم تأخير دراسة الفكرة لرفضها من طرف سلطنة عمان.

والأكثر من هذا، أن مجلس التعاون كان يرشح كل من العراق بإعتبارها دولة عربية مطلة على الخليج العربيلعضويته إلى جانب اليمن التي تمثل الإمتداد الإستراتيجي لدول مجلس التعاون الخليجي خاصة السعودية، ويمتلك العراق عضوية بعض لجان المجلس كالرياضية والصحية والثقافية.

ونجح مجلس التعاون في تفعيل قوات درع الجزيرة المشتركة في البحرين خلال أحداث 2011 ، وبعد إنتهاء عاصفة الحزم في اليمن (استمرت بضعة اسابيع لكن العمليات العسكرية ما زالت مستمرة) طلب الرئيس اليمني عبد ربه هادي منصور انضمام اليمن إلى مجلس التعاون الخليجي.

وفي خضم الربيع العربي وبتاريخ 10 ماي 2011 دعى مجلس التعاون الخليجي كل من الأردن والمغرب إلى الإنضمام إليه غير أن المغرب رفض واعتبر اتحاد المغرب العربي خياره الإستراتيجي.

وهكذا يبدو أن مأساة الخليج المتجسدة أساسا في مقاطعة قطر سوف تعصف بمجلس التعاون، كما تعصف بحلمه في ضم العراق واليمن والأردن والمغرب، كما تعصف بكل هياكلها بما فيها قوات درع الجزيرة المشتركة التي نأشت عام 1982 باسم قوات درع الجزيرة، ثم تحولت إلى قوات درع الجزيرة المشتركة عام 2005 خلال اجتماع المجلس في دورته الـ 26 باقتراح من ملك السعودية عبد الله بن عبد العزيز.

ويعتبر نهاية مجلس التعاون من أهم خسائر دول الخليج قاطبة، سواء على المدى المتوسط أو البعيد، وليس مستبعدا أن تؤدي نهاية المجلس إلى تحولات استراتيجية كبيرة بنشوب خلافات بين دول الخليج تؤدي إلى ميلاد تحالفات أخرى خاصة في ظل إدارة الرئيس الأمريكي الجديد دونالد ترامب التي تتسم بغموض الموقف، لذلك فالكويت وعمان وقطر سوف تلجأ بدون شك نحو البحث عن تحالفات جديدة، لحماية نفسها، مثل الللجوء نحو تركيا أو روسيا أو حتى إيران.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى