أراء وتحاليلالجزائر

لماذا أخرج صقور الإعلام والبلاتوهات مخالبهم ضد عبد المجيد تبون؟

د.محمد لعقاب

إن الشاعر العربي الكبير أبو الطيب المتنبي المعروف بلقب شاعر الحكمة، ترك لنا ما نستطيع بفضله وصف الواقع المعاش، ومن ذلك قوله: إذا أتتك مذمتي من ناقص .. فتلك شهادة بأنني كامل. وفي سياق آخر قال العلاامة عبد الحميد ابن باديس رحمة الله عليه: لو طالبت مني فرنسا أن أشهد أنا لا إله إلا الله ما فعلتها. لأنه يدرك أن الخير لا يأتي إلا من أهله. هذا هو السياق الذي يمكن أن نفهم من خلاله الحملة المسعورة والمتواصلة ضد عبد المجيد تبون، آخرها مقال لمحمد بن شيكو في جريدة لوماتان الإلكترونية.

منذ تعيين تبون وزيرا للتجارة بالنيابة خلفا للمرحوم بختي بلعايب، والدولة الجزائرية تراهن على ترشيد الإستيراد لتقليص فاتورة الواردات وتمكين الجزائر من ربح 15 مليار دولار على الأقل لمواجهة تداعيات الأزمة الناجمة عن تراجع مداخيل الجزائر بنحو 50 بالمئة بسبب تراجع أسعار النفط.

وفي الوقت الذي كان منتظرا أن تلقى سياسة الحكومة هذه التثمين من قبل الجميع بما فيها وسائل الإعلام، حدث الإنقسام بين الصحفيين والمحللين الإقتصاديين والسياسيين إلى حمائم وصقور، الحمائم يدعمون سياسة تبون ويشدون على يديه لوقف استيراد الخردة وكل ما غث، بينما الصقور أخرجت أنيابها وراحت تجرح في وزير السكن والعمران والمدينة ووزير التجارة بالنيابة عبد المجيد تبون.

الحمائم من الصحفيين يعتقدون أن تبون وزير بعثه الله لوزارة التجارة في الوقت المناسب، حيث بدأ الحديث عن توجه الجزائر نحو المديونية الخارجية من جديد، بعد القرار التاريخي الذي اتخذه الرئيس بوتفليقة قبل سنوات بتسديد كل ديون الجزائر، وصرنا حينها نفتخر بأننا دولة بلا ديون، لأن الدين الخارجي يكبل سيادة الدولة ويرهن قراراتها.

وشن الصقور من الصحفيين والمحللين حملة ضد الرئيس بوتفليقة حينذاك، قائلين أنه ارتكب خطأ اقتصاديا جسيما، موضحين أنه كان أولى به توجيه تلك الأموال نحو الإستثمارات. وأخفى أولائك الصقور عن الرأي العام الوطني كم تقدر خدمات فوائد الديون فقط، بدون الحديث عن رهان قرارنا لدى نادي باريس ولندن على الأقل.

لكن بعد تراجع اسعار النفط منذ 2014، تأكد للجميع، بمن فيهم الصقور أن القرار كان صائبا وسديدا، ولأن الصقور يعتبرون كل شيء جميل سيء، لم يعترفوا بذلك، وأخذتهم العزة بالخطأ.

رغم أن الحكومات لا يتعين عليها ممارسة سياسة تحبط معنويات الشعب، بقولها أننا في خطر، إلا أنها بدأت تمارس سياسة للحد من هدر المال العام وضبط سوق الإستيراد، كدليل على أن الوضع المالي للبلاد ليس على ما يرام.

وكان لوزير التجارة بالنيابة عبد المجيد تبون الجرأة الكافية، لقيادة هذه السياسة ومواجهة بارونات الإستيراد، وصقور الإعلام والبلاطوهات، بلغة صارمة: أننا لا نستورد إلا الضروريات التي نحتاج إليها. ثم كشف هول المستورد الذي ابتلع خزينة الشعب مثل العلك أو اللبان والبسكويت وحتى الكسكسي.

فانتفض الصقور يقولون أن سياسة تبون تحرم الشعب من أكل الفواكه، على خلفية ارتفاع أسعار الموز، وتوقيف تبون استيراد التفاح من الألب الفرنسي ما دام هناك تفاح في الأوراس الجزائري.

والعارفون بالخط السياسي لصقور وسائل الإعلام يدركون جيدا، أن ما أبكاهم ليس ندرة الفاكهة من مائدة الشعب الجزائري، لأنها نادرة فعلا على مدار العام، وتعتبر من الكماليات بالنسبة لغالبية الشعب، لكن الذي أبكاهم هو وقف استيراد المواد غير الضرورية من بلدان تمثل عمقهم الإيديولوجي.

ومن بين مبرراتهم التي سبق أن تطرقت إليها في مقالات سابقة، أن استيراد التفاح أو اللبان لا يكلف كثيرا، بل بضعة ملايين من الدولارات .. بينما النظرية الإقتصادية تقول أن ملايير الدولارات، هي في نهاية الأمر ليست سوى تجميع لملايين الدولارات.

ولم يسكت الصقور إطلاقا، فبتاريخ 16 أفريل الجاري نشرت الجريدة الإلكترونية لوماتان مقالا لكاتبه محمد بن شيكو المعروف بأنه خلال سنوات الأزمة كان من كبار الصقور الصحافة حول تصريحات تبون ويقارن بين الجزائر و كوريا الشمالية.

هذا المقال يتهكم على تبون الذي صرح بأن الجزائر لم توقف الإستيراد بل قامت بضبطه في إطار التزامها باتفاقياتها الدولية. ووصف هذا الكاتب لغة تبون بأنها “لغة الشارع” لخداع الرأي العام الدولي، وهو أسلوب  نزلت أخلاق مهنته إلى “أخلاق الشارع”، فلولا ذلك لما تم وصف أي وزير ومهما أخطأ بأن لغته لغة شارع. في حين أن وزراء الدول الغربية الذين ظلوا يكذبون كذبا بائنا لسنوات طويلة على الرأي العام العالمي خاصة العربي، فإن الصقور يعتبرون ذلك قمة ممارسة السياسة لأنها فن الممكن..

ويرى صقر المقال أن تصريحات تبون قد تحمل رسالة إلى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب حول نوايا الجزائر بعدم المساس باتفاقياتها الدولية. ويعتقد الكاتب أن الجزائر لم تبق لها كرامة وطنية، لأنها لا تزعج أحدا.

فلو كان قرار ترشيد الإستيراد لا يزعج أحدا، فمن حرك صقور الإعلام والبلاتوهات للتحامل على سياسة الدولة الجزائرية قبل التحامل على وزير التجارة بالنيابة عبد المجيد تبون؟

وهل يخفى على صقور وسائل الإعلام والبلاتوهات أن الدول الغربية التي تستورد منها الجزائر الغث والسمين تعيش صعوبات اقتصادية (أقول صعوبات لأن الصقور يرون أن الدول الغربية لا تعيش أي أزمة) لا يساعدها قرار ترشيد الإستيراد، لأنه يؤدي إلى تراجع المداخيل وقد يؤدي إلى إفلاس بعض المؤسسات الإنتاجية مثلما أكد رئيس بلدية الألب نفسه.

لذلك لابد أن ندرك أن الدول الغربية انزعجت فعلا، لأنها تريد أموالنا تتدفق عليهم، وبدون شك يكون بعض السفراء وبعض المسؤولين الأوروبيين الذين زاروا الجزائر قد استفسروا الحكومة أو وزير التجارة بالنيابة عبد المجيد تبون حول هذا الموضوع.

الغريب في مقال محمد بن شيكو، أن تصريحات تبون تضع الجزائر في مصاف الدول الدكتاتورية مثل كوريا الشمالية تحديدا، التي لا تختلف عليها الجزائر في شيء حسب كاتب المقال.

بينما الحقيقة هي أن الجزائر تختلف في العمق وفي كثير من الأشياء عن بونغ يونغ، لكن ليس المجال لشرحها الآن، منها هامش الحرية الإعلامية والسياسية والإقتصادية والمجتمعية، وحرص الدولة الجزائرية على بقائها دولة اجتماعية في خدمة المواطنين.

لكن ينبغي أن نشير، إلى أن اختيار كوريا الشمالية كمثال لمقارنة الجزائر بها، هو رسالة تقرّب من كاتب المقال للدول الغربية، التي تعتبر بيونغ يونغ دولة مارقة لا تلتزم بالشرعية الدولية وينبغي محاربتها مثلما حدث مع العراق وسوريا وليبيا وغيرهم، ويعيبون على كوريا الشمالية ما يستحسنونه لغيرها مثل السلاح النووي الذي تمتلكه إسرائيل..

لقد أعاب الصقور على الجزائر النظام الإشتراكي، ولما قررت التحول نحو اقتصاد السوق، أعابوا عليها ما أسموه “اقتصاد البزار” اي القائم على الإستيراد، ولما أرشدت الإستيراد للحد من اقتصاد البازار أعابو ذلك عليها أيضا.

وهكذا يعيب صقور الإعلام والبلاطوهات كل شيء خاصة الأشياء الناجحة والجميلة وأصحابها. ألم يكونوا ضد المصالحة الوطنية التي بفضلها أصبحنا ننعم في السلم والإستقرار؟ الم يكن محمد بن شيكو رمزا من رموز الصقور في التسعينيات، ومؤيدا لاقتتال الجزائريين فيما بينهم؟ الم يشن حملة على الإستثمار العربي حتى يخلو المجال للإستثمار الغربي الذي يعتبر عمقه الإيديولوجي؟

لذلك لا نعتقد أن حملة التشويه التي تستهدف عبد المجيد تبون باعتباره أحد الوزراء الناجحين عمليا وليس نظريا بريئة، فإنجازات الرجل في السكن والمدينة والتجارة تتحدث عن نفسها وبكل اللغات. ولأن الصقور لا يرغبون في رؤية الجزائر تحقق المكتسبات حتى يعطون الحق لأنفسهم فيما يقولون، فإنهم راحوا بكتاباتهم يشوشون .. مجرد تشويش، على شاكلة ما حدث في قطاع السكن .. رغم أن عشرات الآلاف من الجزائريين حققوا حلم الحياة بحصولهم على سكنات لائقة، وتمكنت الجزائر من أن تصبح أول عاصمة إفريقية بدون قصدير، وأثنت عليها الأمم المتحدة لكونها حققت أهداف الألفية في مجال السكن.

وبدون شك فإن النجاح يجب تثمينه، بطرق مختلفة كمنحه وسام من قبل رئيس الجمهورية لم يمنح لأي وزير في الدولة الجزائرية. ولأن كثيرا من الإعلاميين والمحللين يتوقعون ترقية وزير السكن لمناصب عليا، فإنه كان لزاما على الصقور أن يقوموا بتشويهه لقطع الطريق عليه، ولا يمكن أن نفهم كتابات بن شيكو إلا في هذا السياق.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى