أراء وتحاليلالجزائرالعالم

علامة قوية أخرى في مسار تعزيز التضامن الصيني – الجزائري

بقلم سفير جمهورية الصين الشعبية بالجزائر: لي ليان خه

احتفل الشعب الصيني هذه الأيام بعيد الربيع وهو عيد تقليدي يودع خلاله الصينيون عام الفأر ويستقبلوا عام الثور، ولأجل ذلك، أغتنم هذه المناسبة لتقديم تمنياتي للشعب الجزائري وفق التقاليد الصينية، لأن تكون سنة “ثور” مليئة بالسعادة والصحة والرفاه.
وقد لاحظنا بعد انقضاء سنة الفأر كيف واجه العالم امتحانا صعبا بسبب تداخل جائحة القرن مع تغيرات عالمية كبرى كما وقفنا على حقيقة أن فيروس “كوفيد ـ 19” أصبح بمثابة “بجعة سوداء” هزت العالم بأسره، وجعلت دولة الصين تجند كل مواردها لمواجهة تداعيات الوباء، ضمن مهمة دفعت ثمنا باهظا للسيطرة عليه بفعالية مما أهلها لأن تكون القوة الاقتصادية الكبرى الوحيدة التي حققت نسبة نموا إيجابية.
ومن جهتها، فقد جعلت الجزائر هي الأخرى من رهان مكافحة الجائحة، هدفا محوريا شغل جل اهتمامها، تبنت على إثرها إجراءات فعالة للحد من انتشار الوباء وهو ما مكنها من تحقيق نتائج ممتازة في هذا المجال.
وعزز الهدف المشترك بين الصين والجزائر في مكافحة الوباء موضوعا رئيسيا العام الماضي من أجل التغلب على الفيروس وتعزيز التعاون الثنائي بينهما.
وكانت رسالة التعاطف التي بعث بها الرئيس، عبد المجيد تبون إلى الرئيس، شي جي بينغ في بداية معركة الصين ضد فيروس “كوفيد -19″، تأكيد على تضامن الجزائر التي كانت من بين أولى الدول التي قدمت مساعدات طبية استعجالية إلى الصين قبل أن تقدم الصين بدورها للجانب الجزائري مساعدة مادية لمكافحة الوباء وتقاسمت معها خبرتها في ذلك، عبر فريق من الخبراء الطبيين، لمساعدتها في التغلب على الجائحة.
ومكنت المساعدات المتبادلة بين البلدين من تخطي الصعوبات بأفعال ملموسة، ليصبحا نموذجا للتضامن والتعاون مع المجتمع الدولي في المواجهة الجماعية للوباء.
ومن المفارقات أن فيروس “كوفيد ـ 19” عزز مرة أخرى المصير المشترك للبشرية وجعل منه محور إجماع المجتمع الدولي، مما يستدعي منا جميعا العمل سويا لمواجهة المخاطر والتحديات وبناء وطن دولي أفضل.
ويمكننا القول ونحن في بداية عام الثور، أننا مازلنا في منتصف الطريق والحديث عن مرحلة ما بعد الوباء سابق لأوانه مما يجعلنا نؤكد أن المسيرة أمام الدول مازالت طويلة لتحييده والقضاء عليه.
وهي الحقيقة التي تجعلنا نقول اليوم، أن التضامن والتعاون يبقى مع حلول السنة الصينية الجديدة، أقوى سلاح بيد المجتمع الدولي لقهر الوباء، ولنؤكد مرة أخرى أن المجتمع الدولي مدعو للعمل في هذا الاتجاه من اجل الاستجابة الفعالة للأزمة الصحية العالمية، كون الرد المشترك يبقى السبيل الوحيد والعادل للتغلب على الوباء وإنقاذ البشرية.
وستعمل الصين ضمن هذه المقاربة دوما، على دعم التعددية وممارستها على أرض الواقع وستعارض الأحادية من أجل بناء مجتمع المصير المشترك لكل البشرية بما يحتم على دول العالم، العمل متحدة لمساعدة بعضها البعض حتى تكون التعددية نبراسا على الطريق المشترك، خدمة لمصالح البشرية جمعاء.

وسيكون لقاح “كوفيد ـ 19” مع حلول العام الجديد، وسيلة البشرية لهزم الوباء وإنقاذ الأرواح البشرية في ظل الأبحاث الرامية إلى تطوير وإنتاج لقاحات ضد الوباء دون أن يمنعنا ذلك من القول بوجود مشاكل يجب حلها في أسرع وقت ممكن، وخاصة عجز الطاقة الإنتاجية وسرعة توزيع اللقاحات في كل قارات العالم.
فقد لاحظنا أن اللقاحات تصل بسرعة وبكميات كبيرة إلى البلدان الغنية بينما صعب على البلدان الفقيرة الحصول عليها، الأمر الذي لا يؤدي فقط إلى إحداث فجوة مناعية، بل إن ذلك من شأنه توسيع فجوة التنمية بين أغنياء العالم وفقرائه، مما يجعلنا نحث جميع الأطراف على العمل معا لمنع تكريس “قومية اللقاحات” والعمل على توزيعها العادل والعقلاني في جميع أنحاء العالم، من خلال تعزيز إمكانية الحصول عليها والقدرة على تحمل تكاليفها من طرف البلدان النامية والدول التي تشهد نزاعات، حتى لا يصاب أي شعب في حاجة إلى لقاحات، بخيبة أمل وحتى لا يتم نسيان أي شخص في حاجة إليها.
ومثلما أعلن الرئيس الصيني، شي جين بينغ للعالم بأسره، فإن الصين اتخذت إجراءات عملية لجعل اللقاحات الصينية ذات منفعة عامة عالمية بمجرد تطويرها وضمان جاهزيتها، بكيفية تجعل الحصول عليها والقدرة على اقتنائها في متناول البلدان النامية.
ورغم أن الصين تعد من الدول الأكثر اكتظاظًا بالسكان في العالم وتواجه أكبر طلب محلي على اللقاحات، إلا أنها حريصة على الوفاء بوعودها لمساعدة باقي الدول في معركتها ضد “كوفيد ـ 19” وهي تشارك في إطار هذه القناعة بنشاط ضمن آلية “كوفاكس” التابعة لمنظمة الصحة العالمية، حيث التزمت بناء على طلب هذه الأخيرة، بتوفير 10 ملايين جرعة من اللقحات في إطار هذا المسعى العالمي لمساعدة البلدان النامية في التغلب على الجائحة.
وتقوم الصين إلى جانب ذلك بتقديم اللقاحات لأكثر من 50 دولة نامية بطلب منها كما صدرت لقاحات لأكثر من 20 دولة أخرى.
وبالنظر لما تتميز به سلسلتها الصناعية، تدعم الصين البلدان الأخرى في إنتاج اللقاحات سواء داخل الصين أو على المستوى المحلي لهذه البلدان، قصد المساهمة في زيادة قدرة إنتاج اللقاحات على المستوى العالمي، ودعم جهود الشركات المعنية بتصدير اللقاحات إلى البلدان التي هي في أمس الحاجة إليها. ورخصت بكين ضمن هذا المسعى وسمحت باستخدام لقاحاتها في حالات الطوارئ حيث تتمسك بقناعة جعل اللقاح منتجا عالميا في متناول الجميع وبأسعار معقولة لكافة البلدان بحيث يكون لقاحا حقيقيا للأشخاص.
وستواصل الصين ضمن هذه القناعة، جهودها المشتركة مع جميع الأطراف الأخرى في مجال اللقاحات والوقاية من الوباء ومكافحته وتقديم مساهمة ملموسة لقهر الوباء نهائيا وبناء مجتمع صحي للجميع.
وعلى أساس ذلك، ستعمل الصين والجزائر خلال العام الجديد، على مساعدة بعضهما البعض في الكفاح المشترك ضد الوباء، كون البلدان تربطهما شراكة استراتيجية شاملة وصداقة استثنائية، يجعل منهما نموذجا يحتذى به في المعركة المشتركة ضد الوباء خلال العام الماضي، ضمن مسعى سيتعزز أكثر في هذا المجال العام الجاري.
ولاحظنا أن الجزائر باشرت حملة تطعيم نهاية جانفي الماضي، وهذا يعني أن استجابتها في التصدي للوباء دخلت مرحلة استراتيجية مما جعل السلطات الصينية تقرر التبرع بـ200 ألف جرعة من لقاح “كوفيد ـ 19” من إنتاج شركة “سينوفارم” للجزائر حيث ستصل هذه الهبة التي تعد علامة قوية على الصداقة الكبيرة التي تجمع شعبي البلدين، إلى الجزائر خلال الأيام القليلة القادمة.
كما تعتزم الصين منح كل التسهيلات للجزائر من أجل حصولها على اللقاحات الصينية قصد مساعدتها على تحقيق انتصار عالمي ضد الوباء والعودة إلى وضعها الطبيعي الاقتصادي والاجتماعي في أسرع وقت ممكن.
وكما يقول المثل الصيني، لسنا الوحيدين على الطريق العظيم والعالم بأسره هو عائلة واحدة كبيرة. وأنا على قناعة بأن الشعب الجزائري الباسل سيتغلب على الوباء خلال عام الثور وسيستمر في جني ثمار بناء الجزائر الجديدة، وأن الشراكة الاستراتيجية الشاملة الصينية ـ الجزائرية ستصل إلى آفاق جديدة خلال السنة الجديدة.

المصدر: المساء

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى