أراء وتحاليلالرئيسيةبين الفكر والسياسة

رؤيتي للإسلام… (22) الثورات العربية: يقظة سحرية، تصويت آلي

في العام الفارط، فتحت لي جريدة لواسوار دالجيري (Le Soir d’Algérie) أعمدتها لأنشر الأفكار الآنية التي أوحت لي بها الثورات العربية. وقد نُشِر لي عشرين مساهمة بين 23 مارس و30 ماي 2011 كانت تتعلق بالمرحلة الأولى من هذه الثورات.

بقلم نور الدين بوكروح/ترجمة عبد القادر أنيس

مع الانتخابات التي جرت أخيرا، دخلت هذه الثورات في مرحلتها الثانية. لهذه المرحلة أكرّس هذه السلسلة من المقالات وفيها أحاول تقديم بعض الإجابات على الأسئلة التي يطرحها الجميع:

1)هل هناك علاقة بين تزامن الثورات العربية وميكانيكية التصويت لصالح الأحزاب الإسلاموية؟

2) لماذا استفادت هذه الأخيرة من هذه الثورات العربية التي بادر بها شباب “الفيسبوك” ومختلف تيارات المجتمع المدني؟ هل يفتح مجيء الإسلامويين إلى السلطة عصرا جديدا أو أن هذا المجيء ينذر بعودة إلى القرون الوسطى؟ هل يمكن إعادة إنتاج نجاح حزب العدالة والتنمية التركي (AKP) الذي يريدون استلهام تجربته عندنا؟

بدأ كل شيء وكأننا نطالع حكاية شرقية: “كان يا مكان في قديم الزمان وسالف العصر والأوان تاجر شاب متجول يكدح من الفجر إلى الليل ليجلب لقمة العيش لأسرته. في أحد الأيام، تعرض له في الشارع احد الحرس وصفعه وصادر عربته. تحت وطأة الشعور بالذل، أضرم الشاب النار في جسده في الساحة العمومية ليموت بعد ذلك بأيام. ما يدهش في الأمر، أن سكان القرية الذين عانوا في السابق من كل أنواع الظلم دون أن يحركوا ساكنا، انتفضوا،

وبعد انتشار الخبر، ثار سكان المدن المجاورة بطريقة تستعصي على التفسير. بعد أن قتل الطاغية الذي كان حاكم البلاد بالمئات ،تأكد أن القمع لن يضع حدا للتمرد بل يزيده اشتعالا أكثر فأكثر، فاستبد به الهلع وفر، تاركا وراءه الثروة التي كدسها طوال  مدة حكمه .لكن ما يمكن اعتباره من قبيل الخوارق أن سكان البلاد البعيدة اعتبروا بمثل القرويين وتمردوا بدورهم ضد طغاتهم بحيث تم حبس أحدهم في قفص كأنه وحش ضارٍ، وتم التنكيل بآخر في الشارع، وثالث اضطر للتنازل عن عرشه مقابل عدم تجريمه…”.

 ما يعتبر سحريا هو ما لا يمكن تفسيره تفسيرا يقنع العقل النقدي. الربيع العربي ليس له أسباب عقلانية، لم يتم الإعداد له، التفكير فيه أو الرغبة بها. لا أحد بوسعه أن يقول كيف تسلسلت الأحداث، لأنه لا يبدو أن هناك تنسيقا في تزامنها. إنها خلطة كيميائية تمت بطريقة غير معروفة ويبدو أنها أقرب إلى السحر منها إلى العلوم الإنسانية.

قبل محمد البوعزيزي كان هناك في تونس انتفاضات يتم قمعها بقسوة وانتحارات هنا وهناك. لماذا تحرك هذا البلد، ومن ورائه العالم العربي هذه المرة وكأن البوعزيزي كان هو الضحية الوحيدة للظلم في تونس والمضطهد الوحيد في العالم العربي؟ لماذا لم تتسبب انتفاضة الشباب الجزائري في أكتوبر 1988 والتي خلفت قتلى يفوق عددهم قتلى الثورة التونسية.

 تُعدّ الانتحارات بالآلاف كل سنة عبر العالم، لكنها تظل مآسي شخصية وعائلية. لو كان يكفي انتحار واحد للإطاحة مرة واحد بنصف دزينة من المستبدين، لكان هذا النوع من البشر قد انقرض منذ أمد بعيد. هذا دون أن ننسى القول بأنه في الأرض الإسلامية يعتبر الانتحار خِلْواً من أية قيمة يحتذى بها، بل يعد إثما لا يغتفر.إن هؤلاء، الذين فكروا، بعد البوعزيزي، أنهم عندما يضرمون النار في أجسادهم يمكن أن يطلقوا العنان لأحداث تاريخية قد ذهبوا هباء منثورا.

 فبعد الأسابيع والشهور التي تلت فعلته، قام العشرات من العرب في مختلف البلدان بتقليده دون أن يحرك فعلهم ساكنا حتى في الحي الذي أماتوا فيهم أنفسهم. قبل عدة أيام فقط أحرق رب عائلة تونسي نفسه في قفصة لأن وزراء العهد الجديد المتنقلين في المدينة لم يستقبلوه لِيُسمِعهم شكواه. لم يحدث، جراء ذلك، شيء يذكر في الكون ولا حتى في المدينة.

لهذا لجأ العديد من الملاحظين والمحللين عبر العالم – بمن فيهم أنا في العام الماضي- إلى بعض الاستعارات لإيجاد نوع من العقلانية لهذه الظاهرة  فجرى الحديث عن مفعول الفراشة(effet papillon) (هل يمكن لرفرفة جناحي فراشة أن تتسبب في إثارة أعاصير في الطرف الآخر من العالم) ومفعول الدومينو ومفعول كرة الثلج (تداعي الأسباب وتسلسلها، من أصغرها إلى أكبرها) الخ. لكن هناك تفسير يناسب أكثر من غيره ولم يشر إليه أحد؛ إنه “مفعول كيداموس”((quidamus  -من اللاتينية أي إنسان بسيط مقارنة بالآلهة والعظماء- ومفعول كيداموس عبارة نقصد من ورائها بأنه يمكن لفرد من بين الجماهير العريضة، بدون قصد منه، وعلى إثر فعل ما، يجد نفسه في أصل أحداث تتسبب في عواقب هائلة.

هذه الصيغة تنطبق، تماما، على الشاب التونسي الذي غير وجه العالم العربي مثلما لم يفعلها غيره باستثناء النبي.إنها تنطبق تماما بحيث يكون بوسعنا أن نستعيض عنها بـ”مفعول البوعزيزي”، وبهذا فقد صار ل”كيداموس” ولأول مرة هوية.

 في ثلاثينات القرن الماضي، كرس كارل غوستاف يونغ كتابا لأحد اكتشافاته النفسانية التي سماها “التداعي” (synchronicité) هذا المفهوم، الذي رفضته المجموعة العلمية بسبب ضعف قيمته التجريبية كفيل بشرح التزامن الملاحظ في سيران الثورات العربية.

 لقد عرّفه عالم النفس السويسري (يونغ) بوصفه “توارد متزامن لحدثين على الأقل غير محتملين ولا يبديان علاقة سببية بينهما لكن اجتماعهما يكتسي معنى بالنسب لمتلقيهما… إنها مصادفات غير منتظرة. حدث التداعي يتميز بدرجة من المدلولية بالنسبة لشخص بحيث يجد نفسه يتغير جراء ذلك… الحدث يستند إلى أسس نموذجية… النموذج عبارة عن مركب نفسي مستقل ذاتيا قابع في لاشعور الحضارات، وهو اصل عرض كل تمثيل للإنسان في محيطه الداخلي والخارجي… إنه يتمايز عبر شحنة انفعالية وغريزية مكثفة…”

هذه النظرية، التي لقيت معارضة بلا شك بسبب تقاربها مع الباطنية كما اتهم بذلك يونغ، تأخذ كل معناها في سياقنا الراهن. “لاشعور الحضارات” يوجد حقا: أي فعل يتوفر على طرف من الحضارة يمكن، بطريقة عجيبة، أن يتمخض عن آثار نفسية وطبيعية مماثلة على الطرف الآخر. و هذا، في علم النفس، ما يتعلق بمفعول الفراشة في علم الأرصاد الجوية. الفيزياء تعلمنا، من جهتها، أنه توجد ثابتة كونية تسمى “قانون التزامن” الذي يفسر، في بعض الحالات، ما لا يفسر، أي ما لا يدار من طرف مبدأ السببية.

إذا كانت اليقظة العربية لها ما يشبه السحر، فإن الانتخابات الأخيرة لها ما يشبه الفعل الميكانيكي. بوسعنا أن نخلص إلى أن الوحدة النفسية التي لاحظناها في مرحلة الانتفاضات قد تَكَشَّفَت كذلك عن أنها من طبيعة سياسية في المرحلة الانتخابية. لكن بأي مفعول يمكن أن ننعت هذا التصويت التلقائي؟

لعل المناضلين الإسلامويين لم يروا في ذلك سحرا بل معجزة، وهم قبل ذلك بعدة أشهر لم يكن يعتد بهم في بلدانهم، وكانوا مستعدين لكل التسويات مع النظام، أو أنهم كانوا يمارسون التقية.بل حتى بن علي ومبارك يكونان وهما في عزلتهما قد تساءلا فيما إذا كان الأمر لا يخلو من الخوارق في هذه الموجة العاتية كونها تبدو لهم لاواقعية.

كانا يعتقدان أن شعوبهما مًدينة لهما، على الأقل، بنقطة واحدة: الوقوف سدا منيعا ضد الإسلاموية. خاصة بن علي. إلا أن إسلامويا كان قد حبسه مدة ست عشرة سنة هو الذي يشغل اليوم منصب رئيس الحكومة بصلاحيات لم تكن تتوفر لمن سبقوه في هذا المنصب. كما لا يمكن أن يصدق عينيه وهو يرى منصف المرزوقي الذي طارده ونفاه، يشغل مهامه ويحتل مكتبه وشققه في قصر قرطاج.

بينما يقبع هو الآن في المنفى، تحت طائلة أمر دولي بالقبض عليه، بعد أن أدين بـ 55 سنة سجنا بجريمة السطو على الأموال وحيازة المخدرات والتعذيب. دون أن ننسى الغنوشي، عدوه اللدود الدائم، الذي يتغطرس في تونس الآن كأنه أحد آيات الله.ما أغربه انقلاب في الأوضاع !

فمن جميع الجهات نحن متفقون أن ما حدث هو من قبيل الخوارق، وأن “الريح الربانية” سوف تواصل هبوبها، وأن إسلامويي كل البلدان سوف يخرجون أشداء من العتمة التي زُجُّوا فيها ليطالبوا بإدارة شؤون بلدانهم. بل حتى في الجزائر فقد بلغ الانفعال أشده: الاعتقاد والتعويل على هذه الريح أكبر من التعويل على الناخبين.

لقد أثارت نتائج الانتخابات التي جرت في تونس والمغرب ومصر ذهولا حقيقيا بعد أن تبين أن “الربيع العربي” ترك مكانه إلى “خريف إسلامي” منذرا بعصر جليدي: وصاح البعض في وسائل الإعلام “كل هذا من أجل هذا !” وهم مذهولون وخائبون. كانت نتائج التصويت وهي تبدو وكأنها تصويت على الإسلاموية تثير الفزع من عودة محتملة نحو القرون الوسطى. و كأن المسرحية جرت في فصل واحد، وأن الستار قد سقط كما سيسقط الحجاب عما قريب على النساء. بل هناك من ظن أن دورة الثورات توقفت عند سوريا.

الخيبة العالمية كانت بقدر الآمال المعقودة. كانت الحكومات الأمريكية والأوربية وكذا دوائر الرأي العام فيها قد سُرَّت خاصة من كون المتظاهرين لم يحرقوا أي علم أجنبي، ولم يرفعوا شعارات معادية للغرب. كما لاحظوا أيضا أن الإسلامويين ليسوا من كان يتحكم في هذا الحراك بل الشباب والمجتمع المدني.

 وهم لا زالوا تحت تأثير كليشيات الشارع العربي الذي لم يكن يتحرك إلا لتأييد الانتفاضة الفلسطينية أو يصب جام غضبه على رسام كاريكاتوري مدنِّس، إن لم يكن الأمر، بالتأكيد، يتعلق بانتفاضة للجوعى، لهذا كان هناك نوع من الوعد بمستقبل ديمقراطي.

لكن ما رأيناه جميعا مع اختلاف التأويلات، هو أن المتظاهرين لم يثوروا ضد السياسة الداخلية أو الخارجية لزعمائهم، بل كانوا حنقين ضدهم وضد أسرهم الغارقة في اللصوصية. كانت الثورات في البلدان الخمسة التي قامت فيها، قد وضعت نصب أعينها أهدافا محددة وشعارات واضحة: الشعب يريد إسقاط النظام !” لم تكن تُضْمِر مطالبَ من أجل الديمقراطية بل كانت تضمر غضبا هائلا. لم يكن المتظاهرون يطالبون بتغييرات أو تعديلات في سياسة الطغاة، بل برحيلهم ونهاية حكم طال أكثر مما يجب.

وفي فورة الغليان، لم يكونوا يفكرون فيما سيأتي، لأن لهم الآن ما يشغلهم، بعد أن انخرطوا في منازلة لم يمارسوها أبدا من قبل، ولم يكونوا على يقين أنهم سوف يربحونها. كان إسقاط الطاغية هو غاية الغايات. و هذا ما تبين غداة رحيل هذا الأخير وما عرفه ذلك الحماس والتجنيد من سقوط حاد. لم يبق سوى بضعة آلاف من المتظاهرين في ميدان التحرير يطالبون بسحب الجيش من الحياة السياسية وتسليم السلطة لهيئة مدنية.

لقد كانت مطالب المتظاهرين العميقة هي الحرية التي كانت تعني التحرر من نظام استبدادي مغضوب عليه وبيروقراطية خانقة. كانوا يريدون المساواة التي كانت تعني نهاية الامتيازات الصارخة، والمحاباة والتملص من العقاب لكل أهل السلطة. كانوا يريدون عدالة منصفة و مستقلة لمحاكمة الفاسدين. كانوا يريدون العدالة الاجتماعية، أي نهاية النهب المسلط على خيرات البلاد وإعادة توزيع شفافة للثروات الوطنية. كانوا يريدون فك الخناق المفروض على حياتهم اليومية من أجهزة الأمن… هذه القيم هي، بالتأكيد، من صميم الديمقراطية، لكنها أيضا من تلك التي يؤمن بها كل البشر.

لا شك أن هذه الثورات لم تقم باسم الإسلاموية أو من أجل تنصيب الإسلاموية في السلطة. فالإسلامويون لم يسبق لهم في أي مكان أن نجحوا في تثوير الشعوب ضد السلطة. لم يفعلوا ذلك لا عن طريق الوعظ العقائدي ولا عن طريق العنف. لو أن الشاب التونسي في سيدي بوزيد قد أحرق نفسه باسم الإسلاموية، لما كان هناك “مفعول البوعزيزي”. لو أن الإسلامويون هم الذين ثاروا في تونس، فلن يلحق بهم نظراؤهم في مصر واليمن وليبيا وسوريا أو غيرها ولن يكون هناك “مفعول الفراشة” (مسلسل ثورات) ولا مفعول دومينو (تداعي سقوط الطغاة). كانوا سوف يتعرضون للقمع بمباركة الرأي العام العالمي، ولن يتطوع أحد لنجدتهم. ومع ذلك، فهم من قطف ثمار الثورات.

 لقد حققت الثورات العربية غائيتها. لقد قتلت نفسانيا (وبدنيا في بعض الحالات) الأب المتسلط ودمرت النموذج الاستبدادي. لقد استولى التونسيون على السلطة منذ اللحظة التي انتفضوا فيها ضد الطاغية، إلى أن سلموها إلى جمعية منتخبة. هذه مأثرة عظيمة لا قِبَل لهم بها في تاريخهم، ولو اقتصر الأمر على هذا فقط فهو يستحقون الاحترام الأبدي. كان ذلك، في آن واحد، تحول نفساني (نهاية الخوف) وثورة ثقافية (نهاية الاستبداد). هذا ما يميز الثورات العربية عن غيرها من الثورات المخملية (تشيكوسلوفاكيا) والبرتقالية (أوكرانيا) حيث لم يكن رأس الطاغية هو المطلوب بل الديمقراطية هي المقصودة.

أولئك الدين تظاهروا وواجهوا قوات القمع، رجالا ونساء، مسلمين، أقباطا، شبابا، طبقات وسطى، فنانين، مثقفين، لبراليين يساريين، إسلامويين، الخ.، كانوا صفا واحدا حول هدف وحيد: سقوط النظام. وما أن تحقق الهدف حتى عادت الغالبية إلى بيوتها، راضية مَرضية. رأس الحربة بين هؤلاء مثله شباب “المتذمرين” الذين تصرفوا بعفوية وبمثالية. لم يكن لهم مصلحة محددة يدافعون عنها، ولا برنامج سياسي يعرضونه ولا مقارّ يعودون إليها بعد نهاية العمليات.

خلافا لذلك، فإن الإسلامويين كانت لهم مصالح وبرنامج ومقار ينسحبون إليها، ليقدموا الحساب ويأخذوا الأوامر. لقد التحقوا بالثورة خلسة، ناظرين أمامهم وخلفهم، يتقدمون أو يتأخرون حسب التوجيهات، يشاركون يوما ويتغيبون في اليوم التالي. لقد حضَّروا منذ بداية الأحداث، كل فعل من أفعالهم وكل قول من أقوالهم. لقد قاسوا، قدروا، حسبوا المخاطر والمنافع.

هذه هي الطريقة في الاستحواذ على الثورات حيثما حدثت عبر التاريخ. كان هناك دائما من يتحركون فيها متحمسين ومن يتحركون وهم يحسبون لكل خطوة حسابها. وفي كل الحالات كان هؤلاء الأخيرون هم من يذهب بالصُّرَّة.
مرة أخرى تصنع الأقليات الفاعلة التاريخ. في العلم كما في السياسة، كان هناك دائما مجموعة صغيرة من الأفراد هم الذين يدفعون البشرية نحو الأمام.

فإذا كانت الثورات بدأت عربية وانتهت إسلامية، فلأن اليقظة والتصويت لم يكن لهما لا نفس المحددات ولا نفس الفاعلين. في هذه المسألة، ليس هناك الثوريون من جهة و الإسلامويون من الجهة الأخرى، لكن دخل شاطر ثالث، يتمثل في الهيأة الناخبة، عادة ما يكون هو صانع المفاجآت في الصناديق حتى في الديمقراطيات الموغلة في العراقة. فغالبية الناخبين لا هي تظاهرت ولا هي قضت الليل في ميدان التحرير، ولا هي واجهت قوات القمع. الفاعلون المؤمنون بالأفكار الديمقراطية لم يكونوا كُثْراً مقارنة ببقية الشعب لكي يكون لهم وزنٌ حاسم في المرحلة الثانية، مرحلة الانتخابات.

 إنهم آخرون، لم يشاركوا في الأحداث، واكتفوا بمتابعتها على شاشات التلفزة، هم الذين دخلوا الحلبة واستخدموا بطاقاتهم الانتخابية للتعبير عن خيارهم. وكان ذلك من حقهم. فلكل يقظة سحرية، تصويت ميكانيكي، تلقائي.

لكن، إلى أين ستقود هذه اليقظة؟ هل ستتجه في اتجاه التاريخ؟ وهل، لكونها بدأت كحكاية من حكايات الجن والإنس، ستتحول إلى كابوس؟ أيٌّ من الاثنين، قد استفاق حقا، أهو الغول أم الجنية ؟ إذا كان الأمر، بالنسبة للبعض، يتعلق بقمقم تم فتحه على العفريت (boîte de pandore)-في النص الأصلي-، فإن الأمر بالنسبة لآخرين عبارة عن مصباح علاء الدين. في الميثولوجيا الإغريقية، فإن بندورا، وهي تفتح الجرة حيث حبس زايوس الشر، قد حررته لمعاقبة البشر على أنانيتهم. في حكاية ألف ليلة وليلة، يكتشف علاء الدين مصباحا سحريا حيث حُبِس جنيٌّ خيّر يحقق كل الأماني.

لقد شاء التاريخ أن يتم التصدي للاستبداد العربي بدون أدنى تحضير وينهزم في وقت قياسي. لقد اضطر البعض إلى اللجوء إلى السحر وعلم النفس وعلم الأرصاد والفيزياء وحتى للحكايات لإيجاد معنى لهذه الثورات غير النموذجية.

 من البديهي أن يوجد في العالم العربي إجماع على رفض الاستبداد، لاعتبارات شتى، لكنه من البديهي أيضا ألا يوجد إجماع على البديل الواجب تقديمه بديلا عن الاستبداد. ولا حتى الإسلاموية لأنها لا تحظى بـ”الإجماع” كما شاهدنا في تونس والمغرب. المشكل الذي كان مطروحا على الجزائر في أكتوبر 1988 يطرح بنفس الحدود على البلدان العربية التي تحررت مؤخرا: كيف يمكن توطيد أركان ديمقراطية في غياب رأي عام يتبنى الأفكار الديمقراطية؟

“Le soir d’Algerie  ” 23 جانفي 2012

موقع الحوار المتمدن 14 فيفري 2012

موقع الجزائر اليوم 09 مارس 2016

جريدة الحوار بتاريخ 22 ديسمبر 2016

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى