أراء وتحاليلالجزائرالرئيسيةسلايدر

جمال ولد عباس و السقوط نحو الهاوية

بقلم خليفة ركيبي

في سن الـ85  على أعتاب مقابلة رب العزة والإجلال يجد الأمين العام السابق لجبهة التحرير الوطني جمال ولد عباس نفسه وحيدا في زنزانة ، تحت الحبس المؤقت وفقا لبيان المحكمة العليا اليوم متهما بجناية تبديد المال العام عندما كن وزيرا للتضامن الوطني ما بين 1999 و 2010 و هو يعد اكثر الوزراء تعميرا  و جلوسا في المنصب.

نهاية مدوية لرجل اعتبر نفسه سياسيا محنكا و رجلا مجاهدا من الرعيل الأول و حاول بكل ما أوتي من قوة في ان ينسب لنفسه كل الألقاب والبطولات المزيفة التي سقطت سقوطا نحو الهاوية بسرعة غير متوقعة ليس فقط منه  بل حتى من  معارضيه. و لكن حتى لا نصدر عليه حكما لأنه بريء طالما أن المحكمة لم تصدر قرارها وحكمها عليه لكن حالته الفريدة والمتفردة تشير إلى أن الفساد المالي كان قد تغلغل في مفاصل الدولة منذ قدوم بوتفليقة الى الحكم و ليس فقط منذ سيطرة ما تستمى بالدولة الموازية ممثلة في شقيق الرئيس .

حالة ولد عباس السريالية في شكلها و نهايتها  القريبة من الكوميديا السوداء على الطريقة الإنجليزية هي دليل قاطع على ان بوتفليقة كان مشجعا وحاميا للفساد وانه نقل هذا التشجيع والحماية الى دائرته المقربة  و لو ضمنيا فالدائرة المقربة و الضيقة لم تنتظر ضوءا اخضرا من الرئيس العليل للإبقاء على سياسة الافتراس الممنهجة بل على العكس تماما ، هي أكملت هذه السياسة لان واضعها لم يعترض عليها و لم يوقفها و لكنه استراح استراحة محارب لينقلها لقوى أخرى لتكملها حتى تستطيع ان تنفذ هدفها الأساسي و هو تركيع الدولة الجزائرية خدمة لأجندة مشبوهة يعلمها اليوم العام و الخاص .

لكن حالة ولد عباس تشير بوضوح الى أن أجهزة الرقابة القبلية و البعدية للمال العام كانت ضعيفة و غير قادرة على مواجهة نفوذ الدولة “الموازية ” في السلطة التنفيذية و في القطاع الخاص . كما انها تبين الى أي حد ان القضاء الجزائري كان هو أيضا ضعيفا إلى حد كبير لأنه تنازل عن وظيفته الأخلاقية في حماية الحق العام و المال العام و انه كان يضع الملفات في الادرجة الى حين ميسرة.

حالة ولد عباس لا يجب ان تشوش على تفكيرنا و نقدنا و نظرتنا للماضي  بحجة وضعه أخيرا في الحبس الاحتياطي و بداية محاكمته مستقبلا بل يجب ان نفكر بشكل أوسع وننظر الى البيئة العامة التي مكنت رجلا لا يملك أي كفاءة ، لا يحوز على أي  تجربة قدمت قيمة مضافة للمجتمع و الدولة في الـ 50 عاما الماضية في ان يعبث بمال الجزائريين و أي جزائريين انهم الطبقة الأكثر هشاشة و ضعفا في المجتمع  أي المواطنين في اسفل السلم الاجتماعي الذين هم بحاجة الى مساعدة الدولة كدولة في  غذائهم او علاجهم .

ولد عباس اغتصب مال الجزائريين و لكنه اغتصب بشكل سافر و مهين شرفهم و عزتهم في العيش في وطن كريم ، و هذه العقلية التي يفكر بها هذا النوع من المسؤوليين لم تأتي من فراغ بل هي ترجمة الى حقيقة اعتبرها الان انها جلية : ان الجزائر تراسها في 1999 رجل بنفسية و عقلية ” الخيانة” و أنه عمل كل ما اوتي من قوة لترجمة هذه الخيانة من خلال افساد ما يمكن فاسده فاختار “ارذل القوم” و اكثرهم “وضاعة و سفالة” ليعيثوا فسادا على مستوى معين و محدد لهم ، وضع بوتفليقة خريطة طريق في بداية حكمه ، مفادها انه من يتفوق في اغتصاب شرف الجزائريين هو من يحضى بالحظوة والاستوزار المستمر دون انقطاع و ولد عباس هو واحد من هؤلاء النماذج التي صفق لها الكثيرون في مشهد اقرب إلى كافكا.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى