أراء وتحاليلاتصالالعالم

جدة: بوابة الحرمين

السياسة والسياحة.. الحرب والأمن.. بيت الله ومدينة النبي..

مبعوث الجزائر اليوم: د. محمد لعقاب

في شهر مارس 2018 قمت بزيارة للمملكة العربية السعودية، ليست هي المرة الأولى التي أزور فيها المملكة، لكن هذه المرة كانت الزيارة مغايرة، بسبب الظروف السياسية المحيطة بها، مثل الحرب في اليمن، أزمة قطر مع السعودية والإمارات والبحرين ومصر، فضلا عن تباين الموقف الجزائري مع الموقف السعودي في العديد من القضايا العربية والإقليمية المرتبطة بالربيع العربي، إلى جانب ملامح ولوج السعودية ضمن “الدولة الرابعة” أو “المملكة الرابعة” قياسا على تسمية الأنظمة الجمهورية مثل “الجمهورية الرابعة” منذ وصول الملك سلمان إلى الحكم، وإعلان ولي العهد عن خطة 2030 وما صاحبه من تحول جذري تجاه الجماعات الدينية، وغيرها من القضايا.

لكن هذه الزيارة تعتبر الأولى التي ألتقي فيها مع سياسيين ومثقفين وإعلاميين وخبراء أمنيين، فضلا عن القيام بزيارات لأماكن سياحية وتاريخية.

لذلك كانت الزيارة بالنسبة لي مناسبة لاستيضاح الكثير من نقاط الظل في القضايا الراهنة، خاصة أن الزيارة جاءت بعد يومين من صدور كتاب لي بعنوان: “الحصاد المدمر للربيع العربي: هل تصمد الجزائر في وجه التحديات”، وقد تناول الكتاب مجمل القضايا المرتبطة بالربيع العربي والقضايا الخلافية بين الجزائر والسعودية.

 

الحلقة السابعة: جدة: بوابة الحرمين

مدينة يسحرها التاريخ بأطلاله

سكنتها أمنا حواء.. واختارها عثمان بن عفان بوابة للحجيج

سمفونية الآذان: 36 مسجدا تعزف للصلاة

مدينة السياحة وناطحات السحاب

خلال وجودنا بالمملكة العربية السعودية، رأينا أن نقوم بزيارة سياحية لمدينة جدة القديمة، التي يعود تاريخها إلى ما قبل الإسلام، تقول الذاكرة الجماعية للمدينة أن تاريخها يعود لنحو 4000 سنة، وقد سكنتها أمنّا حواء، واختارها الخليفة الراشد عثمان بن عفان  لتكون مدخلا للحجيج، ويعتبر قرار عثمان بن عفان نقطة تحول في تاريخ جدة، حيث أصبحت بمثابة “ميناء مكة”.

مدينة السياحة وناطحات السحاب

تعتبر جدة واحدة من أهم محافظات مكة المكرمة الممتدة على سواحل البحر الأحمر وأكبرها مساحة، تحتل المرتبة الثانية من حيث المساحة بعد الرياض العاصمة السياسية للسعودية.

تفصل مدينة جدة مسافة 80 كم عن مكة المكرمة و420 كم عن المدينة المنورة، وهي المنطقة الأكثر جذباً للسياح في المملكة العربيّة السعوديّة، ولذلك تعتبر العاصمة الأولى للمملكة في المجالين الاقتصادي والسياحي، كما تحتل المرتبة الأولى من حيث عدد الأبراج وناطحات السحاب مقارنةً بأي مدينة أخرى في المملكة، وقال لنا بعضهم أن هناك نحو 135 ناطحة سحاب قيد الإنشاء.

تتمركز مدينة جدة على السواحل الغربية للسعودية، وتحتوي شواطئها على ميناء رئيسيّ يتم من خلاله تصدير المنتجات المحلية من غير النفط إلى خارج البلاد، كما يستقبل عدداً كبيراً من احتياجات السعودية، ويعرف هذا الميناء بكونه الميناء الأكبر والأهم على السواحل الشرقية للبحر الأحمر.

تشتهر مدينة جدة بمعلمها السياحي “الكورنيش” أي الواجهة البحرية للبحر الأحمر، يبلغ طوله 130 كم، يعتبر المتنزه الأول لسكان مدينة جدة وزوارها.

وعلى كورنيشها تنتصب وسط البحر، نافورة الملك فهد، التي تعتبر المقصد الليلي الأول لسكان جدة، حيث يصل علو مياهها إلى 312 م ويحيط بها حوالي 500 كشاف من الكشافات الملونة والتي تمنح للمياه لوناً ومشهداً رائعاً، ويقال أن مياهها هي الأطول في العالم.

تنتشر بمحاذات الكورنيش الخدمات التي يرغب فيها السواح، من فنادق ومطاعم ومقاهي ومنتزهات وحدائق ومحلات تجارية كبرى.

وبمدينة جدة، حسب الدليل الذي رافقنا، بدأ إنجاز برج المملكة، منذ عام 2014 وسيتم افتتاحه بنهاية 2018 ليكون أطول برج في العالم، حيث يزيد ارتفاعه بحسب مخططاته 200 متر عن برج خليفة في دبي.

جدة

جدة القديمة: سحر التاريخ في أطلاله

تتميز جدة القديمة بالمعالم والمباني الأثرية والتراثية، مثل بقايا سور جدة، والحارات (الأحياء القديمة) التاريخية، وأسواقها ومحلاتها الشعبية.

في وسط المدينة القديمة بين الأزقة الضيقة تنتصب لوحة كتب عليها “طريق الحجيج” وبدون شك فإن أحد أجدانا في الجزائر يكون قد مر من هناك إما راكبا أو راجلا.

بنيت جدة القديمة بالحجر والطين ويتوسطهما الخشب، من أجل توازن المبنى حسب ما قال الدليل الذي رافقنا. والبناء بالخشب والحجر والطين لا يوجد في أي مكان في العالم ما عدى منطقة البحر الأحمر، وتعتبر جدة أكثر مدن البحر الأحمر بناء بالحجر والطين والخشب.

 

36 مسجدا في 1 كلم مربع

في وسط المدينة ما تزال بعض المساجد القديمة قائمة، وعلامات التأثر بالزمن بادية على جدرانها، وقد شرعت المملكة في ترميمها. يعود بعض المساجد فيها إلى عصر الخليفة الراشد عمر بن الخطاب.

في مدينة جدة الصغيرة الساحرة، قمنا بزيارة مسجد الشافعي الذي يعود تاريخه لنحو 500 عام، أما الأصل فيه فإنه بني في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه، لذلك يسميه سكان جدة بمسجد عمر، بينما يعود أصل صومعته لنحو 900 سنة. وينخفض محراب المسجد بنحو 3 أمتار بسبب الفيضانات وتأثيرات طبيعية ومناخية متعددة على مر القرون.

أما الأعمدة الخشبية التي بني بها المسجد، فقد جاءت من المسلمين في الهند منذ نحو 500 سنة، للتدليل على أن المسلمين لحمة واحدة.

وفي وسط المدينة القديمة أيضا، يقع قصر عتيق يقولون أن الملك عبد العزيز قد سكنه لسنوات منذ عام 1925، ومنه أدار المملكة العربية السعودية. لقد صمم هذا البيت بطريقة يستطيع حتى الإبل والخيل الصعود عبره إلى سطح البيت بدون أي صعوبة.

من سطح هذا القصر يستطيع الزائر أن يستمع لأوركيسترا سمفونية عندما يرتفع الأذان في أوقات الصلوات في مدينة جدة، حيث يرتفع 36 آذان دفعة واحدة من 36 مسجدا تحصيها الجديدة في 1 كلم مربع فقط، وقد استمتعنا بها وصلينا المغرب على سطح ذلك القصر.

وفوق سطح القصر بكت صحافية بريطانية عندما استمعت لآذان المغرب، ويقول الدليل الذي رافقنا أنها اعتنقت الإسلام بعد ذلك، وأثرت بمشاعرها على الآلاف من غير المسلمين، ممن تابعوها على اليوتيوب.

بيت المتبولي

بيوت جدة: مساكن لها تاريخ.. ومتاحف

نظرا لشح المطر في جدة، وعموم المملكة العربية السعودية، فإن سكان جدة القديمة كانوا يصممون منازلهم بشكل يمكنهم تجميع مياه الأمطار في سطح البناية، ثم تنزل تلك المياه عبر أنبوب نحو الأسفل ليتم تجميعها في إيناء، وتستعمل في الغسيل والشرب والنظافة.

وفي أعلى السطح بنى سكان جدة القدامى غرفة صغيرة تسمى “الطيرمة” نسبة للطير، فهي ممتعة للجلوس خاصة في الليالي للاستمتاع بالنسيم على جلسات الشاي والقهوة العربية.

وينتصب وسط مدينة جدة القديمة بعض المدافع، حرصت المملكة على إبقائها من شواهد التاريخ، فهي تتجه بفوهتها نحو البحر وتحديدا نحو ميناء جدة، وكانت وسيلة دفاعية ضد الأعداء، وهذه المدافع هي التي تصدت لهجمات البرتغال على المدينة. وعلى مقربة من تلك المدافع ترتفع سارية العلم، قال الدليل الذي رافقنا أنها بنيت من قبل صلاح الدين الأيوبي.

يحيط بمدينة جدة سور تاريخي، قيل لنا أن حسين الكردي أحد أمراء المماليك هو الذي قام ببنائه، خلال حملته لتحصين البحر الأحمر من هجمات البرتغاليين، ثم قام ببناء القلاع والأبراج والمدافع لصد السفن الحربية التي كانت تغير على المدينة.

وكان لسور جدة بابان واحد من جهة مكة المكرمة والآخر من جهة البحر، ثم أضيفت له 4 أبواب ليصبح عددها ستة وهي: باب مكة، وباب المدينة، وباب شريف وباب جديد وباب البنط وباب المغاربة أضيف إليها في بداية القرن الحالي باب جديد وهو باب الصبة. وقد تم إزالة السور بسبب توسعة المدينة عام 1947.

ظلت جدية القديمة تتوسع إلى يومنا هذا حيث انتقلت من 1 كلم مربع عام 1920 إلى ثاني أكبر مدينة بعد الرياض ذات 4 مليون ساكن.

ونظرا لأهميتها التاريخية، فقد سجلت منظمة اليونيسكو عام 2014  مدينة جدة القديمة في التراث العالمي، وقال الدليل الذي رافقنا أن الجزائر لعبت دورا في ذلك.

وتسعى المملكة العربية السعودية لتسجيل 15 موقعا آخر ضمن التراث العالمي ليونسكو، وهي تحصي اليوم 5 مواقع مسجلة فقط.

وتزخر جدة العتيقة بالعديد من البيوت القديمة الرائعة الهندسة، التي بدأ أهلها يتجهون نحو تحويلها لمتاحف، مثل بيت آل متبولي، الذي تحول فعلا لمتحف وهو مفتوح للزوار. وفي جدة اليوم مشروع لترميم 150 بيت لتصبح قبلة للسواح، خاصة الراغبين والمتشوقين للسياحة الثقافية والدينية.

جدة

جدة عاصمة ثقافية أيضا

تفتخر مدينة جدة، بمركز ثقافي راق، يسمى نادي جدة، أنشأ عام 1975 ويصدر حاليا 5 دوريات كلها محكّمة، منها مجلة جذور، وعلامات، والراوي ونوافذ، وتصدر كل منها 4 أعداد سنويا.

احتضن نادي جدة عدة لقاءات للأدباء العرب، أسفرت عن إعداد مجلدين حول التراث العربي. ويقول القائمون على المركز أن خصوصيته تكمن في كونه جسرا موصلا بين الأدباء العرب، وتعتبر الكتب التي طبعا النادي تشكيلة رائعة مما جادت به قريحة الآدباء من عدة بلدان عربية.

ولأن مدينة جدة، توصف بأنها عاصمة اقتصادية للمملكة، وتحتل الصدارة الإقتصادية، فإن المدينة ترغب أيضا في احتلال الصدارة الثقافية، لذلك يعتبر نادي جدة الثقافي أهم نادي في المملكة من بين نحو 13 نادي ثقافي و11 جمعية للفنون والثقافة، تحصيها السعودية، وهي تكمل بعضها البعض في منظومة ثقافية متناسقة.

وتفاعلا مع السياسة الجديدة للملكة فقد بدأت جدة تحتضن المهرجانات الثقافية والسينمائية والمسرحية، بدل أن تنتظر 30 سنة أخرى على حد تعبير ولي العهد محمد بن سلمان.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى