أراء وتحاليلالجزائرالرئيسيةسلايدر

بعد انتصار حلب: الجزائر لن تكون إلا منتصرة

زكرياء حبيبي

“بعد حلب هل سيأتي دور الجزائر”، سؤال وقح للغاية، ضمّنه المدير التنفيذي لمركز “مادارياغا-كوليج”، أوروبا، المدير العام الفخري بالمفوضية الأوروبية،  “بيار دو فراني” في المقالة التي نشرت مؤخرا عبر صحيفة “لا ليبر بلجيك” (بلجيكا الحرة) والتي قام من خلالها بتشبيه غير مؤسس ومُتعمّد ومقصود بين سوريا والجزائر، وهي المقالة التي ردّ عليها سفير الجزائر ببلجيكا السيد عمار بلاني، واصفا إياها بـ”أوهام استعمارية جديدة”.

مقالة المدير التنفيذي للمركز سالف الذكر، لا يمكن سبر أغوارها والوقوف على بواعثها ومراميها الحقيقية، إلا بربطها بالحملة المسعورة التي تشنّها أطراف عديدة ضدّ الجزائر في الآونة الأخيرة، بدءا من محاولة تشويه سمعتها بادعاءات باطلة روّجت لـ”المعاملة السيئة” للسلطات الجزائرية، للمهاجرين الأفارقة خلال ترحيلهم إلى بلدانهم، وهي المغالطات التي بوّق لها نظام المخزن المغربي، إن لم نقل أنه كان من بين مُحرّكيها الأساسيين، لتصفية حساباته مع الجزائر، التي بقيت ثابتة على مواقفها بخصوص قضية الصحراء الغربية، ومرورا بالتحذيرات التي أطلقتها الخارجية الأمريكية لرعاياها بتجنب التنقل إلى بعض الجهات في الجزائر لاعتبارات أمنية، وصولا إلى الافتتاحية التي نشرتها جريدة “نيويورك تايمز” يوم الجمعة 16 ديسمبر كانون الأول، والتي كالت من خلالها التهم والأباطيل للجزائر، ومؤسستها العسكرية، مستغلة في ذلك وفاة المُدوّن محمد تامالت، الذي كان محكوما عليه بالحبس لمدّة سنتين، كلّ ذلك يؤكد أن هذا المسلسل التحرّشي لم يكن عفويا أو اعتباطيا.

فهذه الموجة الجديدة من التحرّش بالجزائر، تأتي في وقت حسّاس للغاية، يُميّزه بالدرجة الأولى قُرب مُغادرة الرئيس أوباما للبيت الأبيض وهو يجر أذيال الفشل في مخططه “الصهيو- أمريكي” الذي راهن على تدمير وتقسيم الوطن العربي، وعمل المستحيلات السبعة لإلحاق الجزائر بركب ضحايا مؤامرة “الربيع العربي” لكن بدون جدوى، كما أن استفحال التحرّشات يأتي متزامنا كذلك، مع الانتصار التاريخي الذي حققه الجيش السوري وحلفاؤه على قوى الإرهاب والشر في مدينة حلب، وهي التي كان يُخطط لها أن تكون نقطة الارتكاز في تقسيم سوريا، وبتحريرها سقط المشروع “الصهيو-أمريكي” إلى غير رجعة.

وبرأيي أن التحرّش بالجزائر يجد تفسيره في كونها كانت ولا تزال وستظل، تُحارب كل مؤامرات تقسيم الوطن العربي، وخلق بؤر النزاعات والتوتر في إفريقيا، لإخضاعها من جديد لمخطط استعماري بأشكال وألوان مُغايرة، فالجزائر ومعها العراق ولبنان، شكّلت جبهة صمود في وجه هذه المشاريع الشيطانية المدعومة وللأسف من قبل بعض الدول العربية وعلى رأسها السعودية وقطر، واستطاع هذا الثلاثي أن يبقى صامدا ومتمسكا بمواقفه، إلى أن لاحت تباشير النصر، فاليوم توضّحت الصورة بجلاء، والتحق بهذا الثلاثي العديد من الدول العربية وعلى رأسها مصر التي سلب إرادتها في وقت مضى الرئيس المعزول محمّد مرسي، الذي جعلها مجرّد تابع لدُويلة ومشيخة قطر، وغامر إلى أبعد الحدود بقطعه العلاقات مع دمشق التي شكلت ولا تزال صمام الأمان للأمن القومي المصري، فلو قدّر الله وبقي مرسي في السلطة ولم تُزحه ثورة 30 يونيو، لكانت خريطة الوطن العربي قد وصلت إلى مرحلة مُتقدّمة من العبث بها وتقسيمها، لكن بعودة مصر إلى عافيتها اليوم، وابتعادها عن المحور الخليجي الذي يُقاول بغباء ودون وعي للمشروع “الصهيو-أمريكي” انقلبت موازين القوى، وبدأنا نلمس تعافي سوريا، وانحصار دور مملكات ومشيخات الخليج، التي حاولت التسلّط على الوطن العربي، وتقديم بعض بلدانه على طبق من ذهب للصهاينة بالدرجة الأولى، فعودة مصر عزّزت مواقف جبهة الصمود، وأكدت أن الجزائر كانت على حق، في رؤيتها لما سيؤول إليه الوضع في المنطقة العربية.

ولأنّ الجزائر لم تكن تعاني ممّا عانى منه العراق ولبنان من حروب ونزاعات، فإن ذلك أهلها للعب أدوار حاسمة في إحباط المؤامرة، وإذابة الجليد بين مصر وسوريا على وجه التحديد، كما أنها نجحت في تعطيل وإفشال المخطط الذي كان يسعى إلى تحويل ليبيا إلى مستنقع أفغاني جديد، له روافده في كل من مالي والنيجر ونيجيريا… يُسهل ويُسرّع نهب ثروات إفريقيا، تحت ذريعة مساعدتها في مكافحة الإرهاب، فالجزائر من هذا المنطلق، كانت تنشط على جبهات متعددة، منطلقة في ذلك من حنكة وحكامة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، الذي يشهد أعداؤه قبل أصدقائه ببُعد نظره وحسن قراءته للمتغيّرات الإقليمية والدولية، وعلى هذا الأساس نرى بأن ما يُحاك ضد الجزائر اليوم، إنما يبتغي تدفيعها الثمن، لكن إن نحن انطلقنا من فرضية منهجية بعيدة كلّ البعد عن التحليل الذاتي والمشاعر الفيّاضة، والتي مُؤَدّاها أن مشروع تدمير الوطن العربي واختراق وتركيع العديد من البلدان الإفريقية، قد فشل في وقت كان يُنظر فيه إلى الجزائر، بأنّها تُغرّد خارج “سرب العرب” خاصة بعد رفضها تجميد عضوية سوريا في الجامعة العربية، ورفضها المشاركة في التحالف “العربي” ضدّ الإرهاب، والمشاركة كذلك في العدوان السعودي على اليمن، فالعديد من العربان، كانوا يحضّرون للنيل من الجزائر آنذاك مدعومين بحلفائهم من الصهاينة والغرب، لكنّنا اليوم، ومع انكسار وتحطّم هذا المشروع الشيطاني، وإلتفاف غالبية أحرار العالم حول الجزائر، باعتبارها ساهمت بقوة في حماية ليس حدودها فحسب، بل وحماية الوطن العربي وإفريقيا كذلك، قلت أمام ذلك كلّه لا أنتظر إلا أن تزداد الجزائر قوة، بالشكل الذي لن تقوى فيه الجهات المتربّصة بها حتى على خدشها، وأكثر من ذلك كلّه فالجزائر التي كانت تعرف “من أين تُؤكل الكتف”، حافظت على علاقات متميزة وهادئة مع كلّ أطراف النزاعات، بالشكل الذي أهّلها اليوم لأن تلعب دور الوسيط النزيه غير المُتحيّز، في تقريب وجهات نظر الفرقاء، وجمعهم على طاولة المصالحة، وهنا أحيل بعض من طبّلوا للربيع العربي وزمّروا له، إلى ما هو حاصل اليوم في الحرب على سورية، فالعربان انكفئوا ولم يعد لهم أي دور، بل إنهم غرقوا في مستنقع المؤامرة، وبات من يتفاوض حول الوضع في سورية من القوى الإقليمية والدولية، منحصرا في كل من روسيا وإيران وتركيا، ما يعني أن من أشعلوا نيران الفتنة في البيت العربي وموّلوها، باتوا خارج حسابات التسوية، وأن من استفاد من هذا الحريق هم من غير العرب، وبالأخص تركيا التي استندت إلى المال الخليجي للعبث ببيت العرب، وإحياء أحلام الإمبراطورية العثمانية، وإيران التي قدّمها لنا الأعراب على أنها عدوة العرب، وهي التي دعّمت سوريا العربية كي لا تسقط، ودعّمت قبلها ولا تزال حركات المقاومة الفلسطينية لتحرير قدسنا الشريف وكامل أرض فلسطين العربية، والتي قدّمت كل المساعدات للمقاومة حتى لا يعبث الصهاينة بأرض لبنان العربي، والتي بحّ صوتها مرارا ولعقود طويلة، وهي تدعو العرب لتشكيل تحالف ضدّ قوى الشرّ المُتربّصة بالعالم الإسلامي، ويُضاف إلى تركيا وإيران، الإتحاد الروسي الذي يعي جيّدا أنّ أمنه القومي يبدأ من سورية العربية، فما الذي جناه العرب أو بالأحرى العربان، من مقاولاتهم لمشروع تدمير البيت العربي؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى