اقتصاد وأعمالالرئيسيةسلايدر
أخر الأخبار

هل حان وقت التخلص من الفرنك الافريقي؟

بقلم - وليد أشرف

تحصلت 17 دولة إفريقية من دول جنوب الصحراء عام 1960 على استقلال بالجملة، منها 14 دولة كانت تحت الاستعمار الفرنسي، وهذا بعد 16 سنة من إلغاء اسم “الإمبراطورية الاستعمارية” واستبدله باسم “الاتحاد الفرنسي” الذي تحول عام 1958 عند تأسيس الجمهورية الخامسة في فرنسا في عام 1958 إلى إسم “مجموعة الدول الفرنسية” .

وشمل القرار الكاميرون ( أول يناير) ، توغو (27 أبريل)، مدغشقر (26 يوليو)، جمهورية الكونغو الديمقراطية (30يونيو)، الصومال(أول يوليو) ، بنين – داهومي سابقا (أول أغسطس)، النيجر (3 أغسطس)، بوركينا فاسو- فولتا العليا (5 أغسطس)، ساحل العاج (7 أغسطس)، تشاد (11 أغسطس) ، أفريقيا الوسطى (19 أغسطس) ،الكونغو (15 أغسطس)، الغابون (17 أغسطس)، السنغال (20 أغسطس)، مالي (22 سبتمبر)، نيجيريا (أول أكتوبر)، موريتانيا (28 نوفمبر).

ومع إقرار إعلان استقلال هذه الدول من طرف فرنسا بشكل أساسي قررت الأخيرة إرغام هذه الدول على عدم التخلي عن استخدام وحدة نقدية موحدة معروفة باسم “فرنك المستعمرات الفرنسية في إفريقيا” (CFA)، وهي الآلية التي ضمنت لفرنسا الاستعمارية الاستمرار في الهيمنة المطلقة والشاملة على ثروات مستعمراتها إلى اليوم، وتضمن للدولة ضمان  استمرار التدفق النقدي والاقتصادي في اتجاه واحد من هذه المستعمرات نحو الخزينة الفرنسية.

وبالعودة إلى تاريخ الفرنك الإفريقي، نجد أن قرار بنك فرنسا إصدار “فرنك المستعمرات الفرنسية في إفريقيا” (CFA) يعود لما قبل 75 سنة وبالضبط لشهر ديسمبر لعام 1945 حيث تضمن مرسوم الإصدار تحديد قيمة عملات عدة أقاليم ما كان يسمى بما ورواء البحار من طرف رئيس الحكومة المؤقتة شارل ديغول ووزير ماليته ووزير المستعمرات.

وبعد تأسيس الجمهورية الخامسة في سنة 1958 تحول فرنك المستعمرات الفرنسية في إفريقيا إلى “فرنك المجموعة المالية الإفريقية” الذي بات آلية نهب وتركيع 14 دولة افريقية تملك استقلالا سياسيا على الورق منها 12 مستعمرة فرنسية سابقة.

وقامت فرنسا بتقسيم هذه الدول إلى مجموعتين وهي دول الاتحاد الاقتصادي والنقدي لغرب إفريقيا (UEMOA) الذي تأسس في داكار في جانفي 1994 خلفا للاتحاد النقدي لغرب إفريقيا ويضم: بنين، وبوركينا فاسو، كوت ديفوار، غينيا بيساو، مالي، النيجر، السنغال، توغو. والمجموعة الثانية التي تضم ست دول في وسط إفريقيا وهي: الكاميرون، جمهورية إفريقيا الوسطى، جمهورية الكونغو، غابون، غينيا الاستوائية، تشاد، التي تشكل المجموعة الاقتصادية والنقدية لوسط إفريقيا التي تأسست في نجامينا في يونيو 1994 خلفا للاتحاد الجمركي والاقتصادي لوسط افريقيا.

ويصدر الفرنك عن طريق المصرف المركزي لدول وسط إفريقيا، والمفارقة أن بنك فرنسا هو من يحدد قيمة صرف الفرنك الإفريقي، وعلى الرغم من أن قمته موحدة ومرتبطة بالأورو ( 1 أورو=656 فرنك افريقي) إلا أن فرنسا تمنع كل مجموعة من صرف عملتها داخل دول المجموعة الثانية.

كيف تنهب فرنسا دول الفرنك الفرنسي

وضع الرئيس الفرنسي الأسبق شارل ديغول ووزير مستعمراته آلية خبيثة تضمن لفرنسا استمرار نهب ثروات القارة الإفريقية وخاصة المستعمرات الفرنسية من خلال وضع نظام خاص للعملة التي ستستخدم بعد منح الاستقلال السياسي لهذه المستعمرات وهي إجبار هذه الدول على ايداع احتياطاتها من النقد الأجنبي لدى بنك فرنسا وربط قيمة العملة بالفرنك الفرنسي (الاورو حاليا) وحرية التحويل المجاني من الفرنك الإفريقي إلى الفرنك الفرنسي (إلى الاورو حاليا) والحرية الكاملة لحركة رؤوس الأموال بين فرنسا ودول منطقة الفرنك الإفريقي والبند الأخطر هو إشراف فرنسا على هيئات إدارة البنوك المركزية لدول المنطقة التي لا تملك السيطرة على تحديد صرف عملاتها وهي تعاني من تقلبات سعر صرف العملة الأوروبية.

و ضمنت باريس بهذه الاشتراطات, التدفق المستمر للثروات من مستعمراتها خاصة أن هذه الدول كانت في السابق تضع 100 % من احتياطاتها لدى بنك فرنسا بحجة توفير غطاء لإصدار الفرنك الإفريقي، وهو ما يمكنه من جني أرباح مضاعفة من خلال مراقبة تامة لمداخيل تلك الدول من جهة ومن ناحية أخرى تحقيق أرباح قياسية من المتاجرة في تلك الاحتياطات بما يمكنها من تغطية جزء كبير من عجز الموازنة الفرنسية السنوية الذي بلغ مستويات تاريخية.

في سبعينات القرن الماضي وبعد احتجاجات من طرف بعض الدول الإفريقية على هذا النظام الاستعبادي قررت باريس خفض مستوى الودائع من احتياطات الدول بالنقد الأجنبي لدى بنك فرنسا إلى لـ65% قبل تخفيض المعدل إلى 50 % عام 2005 وفي 2020 بلغت الاحتياطات المحجوزة على مستوى حسابات خاصة لدى بنك فرنسا ما يعادل 12.5 مليار أورو تتصرف فيها فرنسا بحرية مطلقة ولا تقدم أي حسابات للدول المعنية التي لا تملك القوة على مساءلة فرنسا على عبثها بثرواتها لضمان ركوعها وخضوعها للهيمنة الفرنسية الأبدية وخدمة مصالح باريس والنظام الاستعماري الجديد.

وضمنت باريس بذلك عدم خروج هذه الدول عن سلطتها ووضعت اقتصادياتها في خدمة الدولة الفرنسية ومنعت كليا أي إمكانية للنهوض الاقتصادي لما يسمى مجموعة دول الفرنك الفرنسي على الرغم من أنها الدول الأغنى على وجه الأرض بالموارد الطبيعية، وعليه مطلوب من الدول الإفريقية انتفاضة شاملة ضد الهمينة الفرنسية وإعلان حرب على استخدام الفرنك الإفريقي واللجوء لإصدار عملات وطنية تضمن لها سيادة حقيقية على ثرواتها.

هل تعارض فرنسا اصدار عملة إيكو؟

في ديسمبر 2019، أعلن رئيس كوت ديفوار، الحسن واتارا، أن 8 دول غرب إفريقية ستتوقف عن تداول عملة الفرنك الإفريقي في عام 2020، وهذا بعد توصل 8 دول أعضاء في الاتحاد النقدي والاقتصادي لغرب إفريقيا لاتفاقية يتم بموجبها استخدام عملة جديدة تسمّى “إيكو” لتحل محل الفرنك الإفريقي العملة الموروثة عن الحقبة الاستعمارية الفرنسية.

وقال واتارا، خلال مؤتمر صحفي، جمعه مع نظيره الفرنسي، إيمانويل ماكرون، في مدينة أبيدجان، إن الدول الـ8 الأعضاء بالاتحاد النقدي والاقتصادي لغرب إفريقيا سينهون التداول بالفرنك الإفريقي واستبداله بعملة “إيكو”.

وأضاف أن دول الاتحاد قررت “إصلاح الفرنك الإفريقي من خلال اعتماد تغييرات جوهرية، بينها تغيير الإسم، ووقف مركزية 50% من الاحتياطي لدى الخزانة الفرنسية”.

ويعتبر قرار سحب الاحتياطات لدى الخزينة الفرنسية من الخطوط الحمراء التي تمنع فرنسا حدوثها بأي ثمن، لأنها أكبر مستفيد من استخدام تلك الاحتياطات.

وإيكو هو الاسم المقترح للعملة المشتركة التي خططت منطقة غرب افريقيا النقدية لطرحها في إطار المجموعة الاقتصادية لدول غرب افريقيا المعروفة اختصارًا باسم (ECOWAS).

وبموجب ترتيب معين وصفه محللون بأنه بقايا استعمارية، كان على تلك الدول الإفريقية إيداع نصف احتياطاتها من العملات الأجنبية، في المصرف المركزي لفرنسا.

ووفقًا للاتفاقات النقدية بين الدول الإفريقية الفرنكوفونية وفرنسا، فإن لعملة “الفرنك الإفريقي” أربعة أركان رئيسية: وهي ربط “الفرنك الإفريقي” وتحديد سعر صرفه الثابت بعملة اليورو. ضمان فرنسي للتحويل غير المحدود لـ”الفرنك الإفريقي” إلى اليورو. مركزية احتياطيات النقد الأجنبي؛ حيث طلبت فرنسا من هذه الدول إيداع 50% (كان بعد الاستقلال 100%، و65% من 1973 إلى 2005) من احتياطاتها من النقد الأجنبي في حساب خاص للخزانة الفرنسية. ورابعا، إضافة إلى مبدأ التحويل الحر لرأس المال داخل منطقة الفرنك.

وينتقد خبراء الاقتصاد الافارقة “الفرنك الإفريقي” من عدة جوانب، أهمها أن هناك غياب للسيادة النقدية لهذه الدول الإفريقية على عملة “الفرنك الإفريقي”، إذ تملك فرنسا حق النقض الفعلي في مجالس إدارة البنكين المركزيين في المنطقتين اللذين يستخدمان “الفرنك الإفريقي”، وهما: البنك المركزي لدول غرب إفريقيا (BCEAO)، وبنك دول وسط إفريقيا الوسطى (BEAC). وكذلك أن عملة “الفرنك الإفريقي” تدمر أية إمكانية تنموية في الدول التي تستخدمها وتمثل عائقًا أمام التصنيع والتحول الهيكلي ولا تخدم تحفيز التكامل التجاري بين هذه الدول ولا زيادة إقراض من البنوك لاقتصاداتها.

ويجمع الخبراء على استحالة التنمية الاقتصادية في تلك الدول في ظل البقاء في ظروف فقدان السيطرة على أموالها وسياساتها الاقتصادية، خصوصًا أن فرنسا متهمة في غرب إفريقيا بإبعاد رؤساء الدول الذين حاولوا الانسحاب من نظام “الفرنك غرب الإفريقي” (عبر انقلاب وعمليات اغتيال) لصالح الزعماء الأكثر امتثالًا لأوامرها. أما الإصلاحات التي أعلنها الرئيس، واتارا، في المؤتمر الصحفي المشترك مع نظيره الفرنسي، ماكرون، فهي تشمل: تغيير اسم العملة التي تستخدمها دول اتحاد غرب إفريقيا الاقتصادي والنقدي من “الفرنك غرب الإفريقي” إلى “إيكو”، وتوقف فرنسا عن الاحتفاظ بـ 50% من احتياطيات هذه الدول في الخزانة الفرنسية، وانسحاب فرنسا من التحكم في العملة وإدارتها.

وتعتزم ثمانية دول إنهاء تداول الفرنك الإفريقي هي: بنين، وتوغو، وبوركينا فاسو، ومالي، و كوت ديفوار، والنيجر، وغينيا بيساو، والسنغال.

وكان رئيس بنين، باتريس تالون، قال الشهر الماضي لإذاعة فرنسا الدولية (إر إف إيه)، إن 8 دول غرب إفريقية ستسحب من فرنسا الاحتياطات الأجنبية لعملتها الفرنك الإفريقي (CFA)، ولكن ذلك لم يحصل في التاريخ المحدد، كما فشل في مناسبات سابقة في الوقت الذي توجه فيه أصابع الاتهام للمستعمر السابق الذي يرى في ذلك خطرا على مصالحه.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى