الرئيسيةثقافةسلايدر

الشهيد البطل الـمُخـتـار دخـلـي- البركة-:سيرة وتضحيات عظيمة في سبيل ثورة التحرير الجزائرية

الدكتور محمد سيف الإسلام بوفلاقة

Ads

هو (المُختار بن الطاهر دخلي) ، و(مسعودة بوبهزيز) ؛ المعروف بـ (البركة الشهيد) ، وُلد يوم: (29جمادى الآخرة1348هـــــــــــ) ؛ المُوافق لــــــــ(02ديسمبر-كانون الأول1929م) ، بقرية( أولاد عبد الله)، بمنطقة( يرجانة) ؛ التابعة إلى بلدية( برج الطهر)، والقريبة من منطقة(الشقفة)، ودائرة( الطاهير) بولاية( جيجل) ؛ نشأ في ظروف قاسية وصعبة جداً ؛ فقد توفي والده بعد أن بلغ عامه الثالث ، وقد عُرف باسم(البركة) ؛ لأن والده( الطاهر) كان يُناديه بهذا الاسم ؛ كونه الابن الولد الوحيد الذي لديه ، وبعد أن حفظ ما تيسر من القرآن الكريم ،انخرط في العمل لإعانة أسرته ،و برع في« الحلاقة» ،وفي عام : (1362هــــــــ/1943م) انتقل إلى مدينة( عنابة) ، وعمل حلاقاً بها في دكان يقع حالياً في شارع( محمد العيساوي) ،وفي مدينة( عنابة) احتك بعدد غير قليل من كبار المناضلين في صفوف :« حزب الشعب الجزائري» ؛ الذي سرعان ما انضم إلى صفوفه عام: (1364هــــــــ/1945م) ،ومنذ ذلك الحين لم ينقطع عن النضال الثوري ،وشارك في جلّ النشاطات المنظمة من قبل الحزب، وبعد مجازر 8ماي1945م الفظيعة ؛ التي وصفها المناضل الكبير( فرحات عبّاس) بأنها ؛ قد عادت بالجزائر إلى القرون الوسطى، والحروب الصليبية، بل وإلى أخطر من ذلك فيما يخص فرنسيي الجزائر، حيث رأينا أن فئة من نخبتهم تُعذّب، و يُنكل بها، وكيف أن الأبرياء قتلوا على مدار أسابيع عدة ببرودة، ووحشية، والاستدمار الفرنسي ارتكب هذه الجرائم الفظيعة ؛ لأنه ينظر إلى الجزائري على أنه شخص حقير، وعدو لدود، وإنسان منحط ،تأكد(المُختار بن الطاهر دخلي) ،بأنه من الاستحالة أن تنجح الحركات النضالية السياسية، وظلّ يؤكد لأصدقائه قبل اندلاع ثورة التحرير المظفرة بأن الاستقلال يجب أن ينتزع بالقوة ؛ فالحل الوحيد هو حمل السلاح، والنضال إلى غاية الشهادة ؛ ولذلك فقد كان في طليعة المُحرضين على الحراك الثوري ، وبقي في ظمإ شديد لمحاربة المستعمر الفرنسي، وانتمى منذ البداية إلى صفوف : «حركة الانتصار للحُريّات الديمقراطية» ،عام: (1365هـــــــــ/1946م)،كما انخرط في «المنظمة السرية الخاصة» ،سنة: (1366هـــــــــــ/1947م) بمدينة( عنابة) ،بعد أن جمعته صداقة قوية مع المجاهد والمناضل الكبير ( مصطفى بن عودة) ؛ وقد كان (المُختار بن الطاهر دخلي) يرغب في الانضمام إلى صفوف ثورة التحرير بمدينة( عنابة) ؛ بيد أن صديقه( مصطفى بن عودة) اقترح عليه المساهمة فيها بفعاليّة بمسقط رأسه، وبمنطقة ( الميلية)، وبعد قيام ثورة التحرير المظفرة سنة: (1373هـ/1954م) ، شارك فيها منذ البداية ،و لم يتأخر لحظة واحدة عن تلبية نداء الوطن، و كان(المُختار بن الطاهر دخلي) شُعـلة في بث الروح الوطنية ، وإبراز مساوئ المستدمر الفرنسي ؛ حيث حمل معه منذ بداية الثورة كلمة السر التي زوده بها صديقه المجاهد :(عمّار بن عودة) ،وهي: (213 من عمار إلى صالح الطاهيري) ؛ وقد نصحه المناضل( صالح الطاهيري) بالتمويه بمهنة (الحلاقة) في بلدية(الشقفة) بمدينة(جيجل) ؛ التي انطلق في العمل السري في سوقها المعروف ،وبعد اشتداد الثورة الجزائرية المظفرة بمنطقة الشمال القسنطيني ، انطلق في تنفيذ العمليات العسكرية بصفوفها في شهر(جمادى الأول1374هــــــــ) ؛ الموافق لشهر(يناير-جانفي1955م)،وقام قبل ذلك بعدة أنشطة داعمة للعمل الثوري بمنطقة الشمال القسنطيني؛ والتي أضحت معروفة باسم( الولاية الثانية) بعد مؤتمر الصومام المنظم بتاريخ: (14محرم1376م)الموافق لـ (20أغسطس-أوت1956م) ؛ وقد اشتهرت منطقة (الميلية)التي كان يعمل بها (المُختار بن الطاهر دخلي) ، باسم:«مملكة الفلاڤة» و هي التسمية الذي أطلقها (الجنرال شال) ؛ القائد العام للقوات المسلحة الاستعمارية بالجزائر على المنطقة ؛ نظراً لكثرة العمليات العسكرية بها ، وبسبب الصعوبات الجمة التي واجهها جيش الاحتلال الفرنسي فيها .

عمل(المُختار بن الطاهر دخلي) على عدة جبهات ، و بشكل مكثف ؛ ففضح أعمال الاستدمار الفرنسي الإجرامية ،واجتهد من أجل توسيع الخلايا السرية، والإشراف على فرق المُسبلين ،والعسكريين ، والاهتمام بالعناصر الحية والفاعلة، وجمع التبرعات والأموال لخدمة العمل الثوري، وبث الروح الثورية ،ونشر مبادئها، وأفكارها لدى جمهور الناس، ومساعدة العائلات التي سُجن من يعيلها من قبل الاستعمار، وكان يدعو إلى مقاطعة الانضمام إلى الشرطة السرية الفرنسية، ومقاطعة التعاون مع المستعمر، والتأكيد على أن حب الوطن من الإيمان، وأن هذه الأرض الطاهرة التي سقيت بدماء الشهداء، وقوافلهم يجب أن لا تذهب هدراً، وشارك في عدة عمليات ضد العدو، وكُلف في عدة مناسبات بتأمين فرق دخول المجاهدين، ونجح نجاحاً باهراً في مهمته بصفته مسؤولاً عسكرياً على مستوى المنطقة ؛ رغم كثرة كمائن العدو الغاشم، وصعوبة طبيعة المنطقة، وكان (المُختار بن الطاهر دخلي) يحضّرُ مع المجاهدين للاجتماعات التكوينية، واللقاءات الدورية، وقد تولى في عدة مرات مهمة استقبال المناضلين ،والمجاهدين القادمين من جهات أخرى إلى منطقة ( الميلية) ، وقد اتسم عمله بالسرية التامة، والحزم القوي، والجديّة المفرطة، وشارك رفقة العديد من المجاهدين في إدخال وتمرير الأموال والسلاح إلى الولاية التاريخية الثانية، وساهم في عمليات التدريب على السلاح، واستعمال المتفجرات، إضافة إلى التنظيم العسكري ؛ فقد كان الجنود يحترمونه ويُقدرونه ؛ لأنه كان يُعاملهم بالمثل، وكثيراً ما كان(المُختار بن الطاهر دخلي) يُوضع في الصفوف الأمامية، وهذا ما يُشكل اعترافاً بقوته، وإدراكاً لشجاعته ؛ وبعد أن قاد عدة عمليات عسكرية ضد قوات الاستدمار الفرنسي ،ونجح فيها نجاحاً باهراً رُقي إلى رتبة :«رئيس فوج» ،ومن أبرز المعارك التي نجح فيها خلال ثورة التحرير المظفرة في عامها الأول سنة: (1374هــــــ/1955م) كمين «مشتى لعور» ، وكمين «وادي يرجانة»؛ قرب مسقط رأسه ؛ الذي غنم فيه الكثير من الأسلحة المتطورة ؛ وقد أهدى بعض القطع من السلاح المتطور الذي غنمه إلى الشهيد( زيغود يوسف) عندما زار المنطقة ،وقد كان(المُختار بن الطاهر دخلي) أحد أبطال هجومات20أوت1955م، بمنطقة( الشقفة) ؛ حيث هاجم فوجه أكبر مركز عسكري للقوات الفرنسية بالمنطقة ، ولا يختلف اثنان على أن ذلك الحدث الأبرز قد حقق إنجازات كبيرة للثورة الجزائرية في عامها الأول، وكانت له تأثيرات عميقة على مسار الثورة، وتطورها، وانعكست نتائجه على المستوى المغاربي ، والإقليمي، وبعد النجاحات الكبيرة التي حقّقها رُّقي(المُختار بن الطاهر دخلي) سنة: (1375هـــــــــ/1956م) إلى رتبة : «قائد كتيبة» ؛ يزيد عدد عناصرها عن مائة مُجاهد ،وعُرفت الكتيبة التي قادها باسم: « كتيبة الطاهير» ؛ التي قادت عدة عمليات عسكرية متميزة ضد قوات الاستدمار الفرنسي ، ومن أبرز المعارك التي شارك فيها: « معركة بركاس»، و « معركة الطاهير الكبرى» ؛ أو« الهجوم الكبير على مدينة الطاهير»، و« معركة الشقفة» ،و« معركة سوق علي»،و« معركة بوديال»،و« معركة عقبة سعد الله» ، و« معركة تدليست» ، و« معركة تسقيفت الكبرى» ؛ التي تعد من أكبر المعارك البطولية التي وقعت صبيحة يوم : (27 رمضان1376هــــــــــ) ؛الموافق لـ(27 أفريل1957م) ؛ بإشراف فيلق الولاية التاريخية الثانية بقيادة المجاهد المعروف( مسعود بوعلي) ،ونائبه(المُختار دخلي –البركة-) ،وقد تميزت هذه المعركة الذائعة الصيت بمهاجمة وحدات كبيرة جداً ،ومُدججة بأسلحة ضخمة من قوات العدو الفرنسي ،وعلى الرغم من التفاوت الكبير بين القوات الفرنسية ،و الثوار في العدة والعتاد ،إلا أن الظروف الطبيعية الصعبة ساعدت أبطال« معركة تسقيفت الكبرى» ؛ حيث جاء في شهادة بعض المجاهدين الذين شاركوا في المعركة ،وهم: (أحد بوجويجذ ، وحسن كمال ، ويوسف مليط ،و محمد بلاح ، ومولود بوبرتخ ، ومحمود لعور ، ومفتاح حسن المدعو :الشاوي ،والطيب بيوض ،وعلي دعا المدعو : بن جقون)، أن المنطقة الجبلية الوعرة المسالك (تسقيفت) تكاد تكون مغلقة الاتجاهات ،ولا تمنح لقاصدها الحماية ،وحرية الحركة ، كما أن تواجد النهر زاد الوضع تفاقماً ،ولاسيما عندما تنهمر الأمطار ،وقد وصفوا مجريات أحداث المعركة التي خطط لها الشهيد(المُختار دخلي –البركة-) بأنه في الأسبوع الأخير من شهر أفريل سنة:1957م ،كان فيلق الولاية الثانية متمركزاً بناحيتي : (مشاط) ،و(أولاد عربي) ،وهو يتشكل من ثلاث كتائب تابعة لمجموعة من النواحي بالولاية التاريخية الثانية ،ومن بينها: الطاهير ، والميلية ، وسكيكدة ، وقد تمت عملية الاستطلاع النهائية مساء يوم:26أفريل1957م، وبعد دراسة المنطقة بدقة استقر الرأي على أن يكون الكمين على جانبي الطريق شرق وغرب الوادي المُحادي للطريق ؛ الذي من المقرر أن تعبره قوات الاحتلال الفرنسي ،وبعد النجاح الباهر لهذه المعركة ذاع صيت(المُختار دخلي –البركة-) أكثر في المنطقة، حيث إنها أسفرت على القضاء على ما يزيد عن مائتي عسكري من قوات العدو الفرنسي ، وأدت إلى إصابة عدد كبير من الجندود بجراح متفاوتة الخطورة ، وتمّ اغتنام الكثير من الأسلحة المتطورة ،وأجهزة الإرسال والاستقبال .

لقد عُرف (المُختار دخلي –البركة-) بالإخلاص في العمل، والحماس له، والتخطيط الدقيق،

والصراحة، والنزاهة، والمجاهدة من أجل الحقيقة ؛ فقد كافح بإخلاص مع رفاقه الأبطال من أجل أن تنعم بلاده بالحرية، وكان ينبه قبل رحيله بأنه من سوء التقدير الاعتقاد بأن نجاح المعارك التي قادها وانتصر فيها مع رفاقه الأبطال جاء بطريقة عفوية، وساذجة، فهو يشدد على أن هذا التصور مرفوض، وخاطئ من أساسه ؛ فمعارك ثورة التحرير في المناطق التي أشرف عليها انتصرت بفضل التخطيط الجيّد، والدقيق، والعمل الثوري المنهجي، والمنظم، والمحكم، إضافة إلى التلاحم الشعبي.

استشهد (المُختار دخلي –البركة-) ،يوم: (22 صفر1377هــــــــــــــــــ) ؛الموافق لـ(18 أيلول-سبتمبر1957م) ؛ في معركة وقعت بمنطقة (بوسيابة-أسردون ) ؛ قرب منطقة (الميلية) ،وعلى الطريق المؤدي إلى( القل) ،قرب مناطق (تانفدور ،ومشاط ،وأولاد عربي ) ؛ فبعد أن نصب مع فرقته كميناً لقوات العدو الفرنسي تطور الاشتباك ، وتحول إلى معركة ضارية أصيب فيها (المُختار دخلي –البركة-) بمدفع من نوع(105) ، وقد أُلّفت العديد من الأغاني الشعبية في مناطق واسعة من (الميلية) ،و(جيجل) تُمجّد بطولاته ضد قوات العدو الفرنسي،ومن بينها أغنية :

ايما الشيلي والعون الطيارة والضرب سخون

ايما طغاني راسي واشبحتوا بالفولار

يا كي جات الصفرا شافوها واي الدور كي ستشهد البراكة

الجيش ديالوا في بابور

وأغنية:

البركة لفحل محزم بالحبل

كي يعول يهجم يدهش ولد الرومية

جيشنا لفصيح شفتوا معدي كيف الريح

عندوا ضرب صحيح شاهدتوا بعينيا.

 

المصادر و المراجع المُعتمدة :

1-عمّار قليل:ملحمة الجزائر الجديدة، الجزء الأول والثاني والثالث، منشورات مؤسسة دار البعث بقسنطينة، الجزائر،ط:01، 1412هـ/1991م.

2- عمر شيدخ العيدوني: مملكة الفلاڤة، شهادة المجاهد عمر شيدخ العيدوني على وقائع ثورة التحرير المباركة في الولاية الثانية،دار الهدى للطباعة، والنشر، والتوزيع، عين مليلة، الجزائر،2011م.

3- من معارك ثورة التحرير ، منشورات قسم الإعلام والثقافة بالمنظمة الوطنية للمجاهدين ،الجزائر ،د،ت.

بقلم: الدكتور محمد سيف الإسلام بــوفــلاقـــــة

كلية الآداب، جامعة عنابة ،الجزائر

المصدر:  رأي اليوم

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى