اتصالالعالمثقافة

الحلقة الثامنة والأخيرة: مكة المكرمة صرة العالم

* السياسة والسياحة.. الحرب والأمن.. بيت الله ومدينة النبي..

مبعوث الجزائر اليوم إلى السعودية، د. محمد لعقاب

في شهر مارس 2018 قمت بزيارة للمملكة العربية السعودية، ليست هي المرة الأولى التي أزور فيها المملكة، لكن هذه المرة كانت الزيارة مغايرة، بسبب الظروف السياسية المحيطة بها، مثل الحرب في اليمن، أزمة قطر مع السعودية والإمارات والبحرين ومصر، فضلا عن تباين الموقف الجزائري مع الموقف السعودي في العديد من القضايا العربية والإقليمية المرتبطة بالربيع العربي، إلى جانب ملامح ولوج السعودية ضمن “الدولة الرابعة” أو “المملكة الرابعة” قياسا على تسمية الأنظمة الجمهورية مثل “الجمهورية الرابعة” منذ وصول الملك سلمان إلى الحكم، وإعلان ولي العهد عن خطة 2030 وما صاحبه من تحول جذري تجاه الجماعات الدينية، وغيرها من القضايا.

لكن هذه الزيارة تعتبر الأولى التي ألتقي فيها مع سياسيين ومثقفين وإعلاميين وخبراء أمنيين، فضلا عن القيام بزيارات لأماكن سياحية وتاريخية.

لذلك كانت الزيارة بالنسبة لي مناسبة لاستيضاح الكثير من نقاط الظل في القضايا الراهنة، خاصة أن الزيارة جاءت بعد يومين من صدور كتاب لي بعنوان: “الحصاد المدمر للربيع العربي: هل تصمد الجزائر في وجه التحديات”، وقد تناول الكتاب مجمل القضايا المرتبطة بالربيع العربي والقضايا الخلافية بين الجزائر والسعودية.

 

الحلقة الثامنة:

*مكة المكرمة صرة العالم

*توسعة الحرم، تسهيل الطواف ورمي الجمرات

*عرفات: من صحراء قاحلة إلى واحة جميلة

*قطار المشاعر.. وآثار عين زبيدة

*جبل الرحمة.. وغار حراء

 

إن زيارة المكلة العربية السعودية، سواء للشغل أو السياحة تعتبر ناقصة ما لم تقم بزيارة بيت الله : الكعبة الشريفة، في مكة المكرمة، وتصلى في الحرم الذي يعتبر اول مسجد ينبغي أن تشد إليه الرحال، كما قال رسولنا الكريم محمد ص لا تشد الرحال إلا لثلاث : المسجد الحرام، والمسجد النبوي، والمسجد الأقصى.

والكعبة الشريفة هي التي تهوي إليها الأفئدة، ويقول عنها كثير من العارفين أنها تشكل مركز العالم، بل إنها تعتبر “صرة الكرة الأرضية”. لقد حرصت رفقة مجموعة من الزملاء الإعلاميين، على أداء عمرة رجب، ورجب من الأشهر الحرم.

سبق لي أن زرت مكة المكرمة ثلاث مرات، مرة أتيت |إليها من الرياض عقب مشاركتي في مهرجان الجنادرية، والمرة الثانية خلال تظاهرة المدينة عاصمة الثقافة الإسلامية عام 2013، وتزامنت الزيارة الثالثة مع عاصفة الحزم شهر مارس 2015 ، وتعتبر هذه الزيارة الرابعة.

وبالمقارنة بين مختلف الزيارات، فإنه ينبغي الاعتراف للخدمات الكبيرة التي أنجزتها المملكة لتسهيل مناسك الحج والعمرة. فتوسعة الصحن قد انتهت لم يبق منها سوى بعض الروتوشات، وبذلك أصبح الطواف سهلا مقارنة بالسنوات السابقة، حيث يستطيع أن يطوف حول الكعبة نحو 155 ألف طائفا في الساعة الواحدة، ويرتفع هذا العدد إلى نحو 600 ألف طائف في الساعة عبر الطوابق. وبفضل التوسعة يستطيع نحو 1.7 مليون حاج أو معتمر أن يؤدي الصلاة في الحرم المكي، ويرتفع هذا العدد إلى أكثر من 2 مليون خارج المسجد.

الجمرات

كل الطرق تؤدي إلى منى

من مكة، كل الطرق تؤدي إلى منى وعرفات عبر مختلف الطرقات والأنفاق التي قامت المملكة بشقها تيسيرا للحركة، بعض الأنفاق يفوق طولها 700 مترا، وتقدر تكلفتها بالملايير الدولارات، باعتبار أن مكة منطقة جبلية يصعب شق جبالها.

وفي منى التي تنحصر بين جبلين، أحدهما يسمى جبل الملائكة، يوجد جسر الجمرات، ويعتبر حسب الدليل الذي رافقنا ثالث أضخم مبنى في العالم، يتكون من 5 طوابق، تسهل للحجيج رمي الجمرات، وتجنب الازدحام الذي كان يحدث في سنوات خلت، وعادة ما كانت عملية الرمي تخلف الضحايا بسبب التدافع.

لقد أصبح بمقدور 1.5 مليون حاج أن يرمي الجمرات في ساعة واحدة، حيث يتم تنظيم الحجاج في شكل أفواج.

الجمرات

قطار المشاعر.. وآثار عين زبيدة

من منى إلى عرفات، تم شق طريق “قطار المشاعر” على طول 18 كلم، لتسهيل حركة تنقل الحجاج والتقليل من حركة ازدحام السيارات والحافلات التي كانت تحدث قبل إنشاء القطار.

يتوقف قطار المشاعر في ثلاث محطات هي: منى والمزدلفة وعرفات. ويمر القطار كل 5 دقائق، وتمكن من تقليل أزمة الازدحام بنسبة 55 بالمائة حسب الدليل الذي رافقنا.

ولم تنته مهمة قطار المشاعر، حيث من المتوقع أن تنطلق المرحلة الأخيرة في ربط قطار المشاعر بمكة، حينها ستزيد سهولة التنقل في مركبات مكيفة تقي الحجيج حر الشمس وعناء الزحمة.

وبمنى  قامت المملكة بإقامة مخيمات للحجيج، وهي مخيمات مكيفة ومجهزة بأسرة ومطبخ، مصنوعة من البوليستر المضاد للحرائق.

ويسمى الحجيج منى بمدينة الـ 5 أيام، وهي المدة التي يمكث فيها الحجيج هناك، قبل التنقل لعرفات التي تسمى مدينة اليوم الواحد، بينما تسمى المزدلفة مدينة الـ 12 ساعة.

ويستطيع المرء أن يشاهد على أطراف البقاع المقدسة: منى، عرفات والمزدلفة آثارا باقية من “عين زبيدة”، وزبيدة هي زوجة الخليفة العباسي هارون الرشيد، الذي تحمل بغداد إسمه فتسمى عاصمة الرشيد، وكان هارون الرشيد يجاهد سنة ويحج سنة، حسب العديد من المؤرخين.

تقول الذاكرة الجماعية، أن زوجة الرشيد “زبيدة” رأت في المنام أن الحجيج يعانون من العطش، فأمرت بشق مجرى مائي طبيعي، يحمل الماء من الطائف حتى منى وعرفات، وبعضهم يقول أنه ينقل الماء من العراق إلى منى وعرفات، ويعرف ذلك المجرى إلى يومنا هذا باسم “عين زبيدة”، لقد كان يمثل إنجازا تاريخيا.

من منى، حرصنا على زيارة عرفات، وكأننا نؤدي حجا افتراضيا، أو حجا سياحيا، ولأن الحج عرفة كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم، فقد حرص القائمون على الحج على توضيح حدود عرفة تسهيلا لأداء المناسك.

وبعرفة يوجد جبل الرحمة، الذي يعرف باسم جبل عرفة، صعد إليه الرسول ص لإلقاء الخطبة فقط، لكن كثيرا من الناس يعتقدون خطأ أنه أفضل مكان في عرفات وأن الصعود إليه فرض، ويتزاحمون في الوصول إلى قمته ويؤدون الصلوات ويتبركون بحجره ويرفعون أيديهم طالبا للدعاء.

عرفات

عرفات: من صحراء قاحلة إلى واحة جميلة

قمت مع بعض الزملاء بالصعود إلى قمته، ومنها تستطيع أن تشاهد كيف تمكن القائمون على خدمة الحج من تحويل صحراء عرفات الصخرية والشديدة الحرارة إلى واحة جميلة، حيث تم تشجيرها من أقصاها إلى أقصاها، لتلطيف الجو، وزيادة جمالية المنظر، ويمكن لبعض الخيم أن تتغطى كلية بأشجار النيم والبزريمة.

وشجرة النيم حسب الدليل الذي رافقنا، هي شجرة جذابة واسعة الأوراق يمكن أن يصل ارتفاعها إلى 30 متر، يبلغ حجمها 2.5 متر وتشكل فروعها المنتشرة إكليلا مدورا يصل طوله إلى 20 متر، وتبقى أوراقها موجودةً طوال الفصول، وعادةً يكون الجذع مستقيم وسمكه معتدل، ويكون لحاؤها قوياً وجذورها تخترق التربة بعمق، كما أنّها دائمة الخضرة، منبتها الأصلي في الهند والمناطق المجاورة، وتعرف أيضاً باسم شجرة ماغوسا وقد استخدمت خلاصتها لعدّة قرون في آسيا في المبيدات الحشرية، ومعجون الأسنان، والمقويات الصحية، كما تستخدم الشجرة نفسها في مشاريع إعادة التشجير في المناطق الجافة.

أما شجرة البرزيمة أو البرزوميا، فموطنها الأصلي هو استراليا، وهي شجرة مُستديمة الخضرة وسريعة النمو وزاهية الخضرة طوال العام. تتحمل المناخ الجاف والحرارة العالية صيفاً والبرودة شتاء .

وإلى جانب عملية التشجير، تم نصب أعمدة، تقوم بعملية التمطير الإصناعي لرش الماء على الحجيج للتخفيف عنهم من شدة الحر.

ويحرص القائمون على الحج، من توفير خدمة الصحة بوجود مستشفى في وسط عرفات، على مقربة من مسجد نميرة حيث تقام صلاة العيد، وحينها يتم تخصيص الآلاف من رجال الأمن لتوفير الأمن والسلامة، ففي حج 2017 خدم الحجيج نحو 75 ألف رجل أمن، وقد زاد العدد مقارنة بعام 2016 مع تزايد تهديدات الحوثيين بإطلاق الصواريخ تجاه مكة ومدينة الرياض حسب توضيحات الدليل الذي رافقنا.

وفي أحد أطراف منى، أـقامت المملكة أكبر مذبحة في العالم، تمكن الحجيج من النحر، حيث يتم نحر نحو 3 مليون أضحية في موسم الحج، وتحفظ في مبردات ضخمة، ثم لاحقا يتم توزيعها على الفقراء في عدة بلدان إسلامية فقيرة، وكانت تلك الأضاحي قبل ذلك تتلف بسبب تعفنها بسبب شدة الحرارة.

من غار حراء إلى المسجد الحرام

غير بعيد عن مكة المكرمة، ينتصب جبل النو، وهو جبل صخرى، أضفت عليه درجة الحرارة المرتفعة لونا يميل نحو السواد، وهو جبل عاري من الغطاء النباتي.

في قمة الجبل يقع غار حراء حيث كان النبي محمد صلى الله عليه وسلم يتعبد قبل أن ينزل عليه الوحي بالدين الإسلامي الذي أخرج الناس من الظلمات إلى النور.

لقد تم إنشاء ممرا نحو القمة، عبر مدرجات طبيعية بالحجر والإسمنت، لكن الوصول إليه يستغرق أزيد من ساعة، وعادة ما يصعد إليه الناس بين صلاة العصر والمغرب حيث يصبح الجو لطيفا.

بعد زيارتنا لغار حراء، كان موعد الصلاة قد قرب، ولابد من الصلاة في الحرم المكي، لأن مدة إقامتنا قصيرة، والصلاة فيه تعادل 100 ألف صلاة. وهو الحديث النبوي الشريف الذي تعتمده بعض الوكالات السياحية في العالم الإسلامي لإغراء الناس بالعمرة، لأن خمس صلوات مكتوبة تساوي 500 ألف صلاة، ومدة 5 أيام عمرة تعادل 2.5 مليون صلاة، إنه خير وبركة تستطيع أن تغري المتسابقين للمغفرة وفعل الخيرات وخاصة في رجب وشعبان ورمضان، وباقي أيام الله الفاضلة الأخرى.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى