بين الفكر والسياسة

الثورات العربية (3): مصباح علاء الدين

بقلم نورالدين بوكروح

ترجمة عبد القادر أنيس                                                                                                  

كانت الأحزاب الإسلاموية الفائزة في الأنتخابات التشريعية التي جرت في  تونس، المغرب ومصر نهاية سنة 2011 تعطي الانطباع أنها غير مرتاحة لانتصارها كأنها فَزِعة من المشاكل التي تنتظرها. لقد قدموا، في خطاباتهم وتصريحاتهم في الصحافة، وخاصة الغربية، أولى التنازلات عن نية مُطَمْئِنَة تجاه دولة القانون، المجتمع المدني، الديمقراطية والاتفاقيات الدولية وهو ما دفعهم إلى تلطيف حدة أقوالهم، فهم لا يجهلون أنهم سوف يكونون محل معاينة وكأنهم قادمون من عالم آخر، بحيث لن تمر أية عثرة دون أن تجلب الانتباه، ولا أي خطأ دون أن يثير الاستهجان.

“الحل الإسلامي” الذي كانوا يرفعونه كأنه ” مصباح علاء الدين” ،كان  يتوجب عليهم وضعه موضع تطبيق والبرهنة سريعا على نجاعته وإلا لن يصدقهم أحد، وحتى هم قد يتوقفون عن الإيمان بهذا الحل. لأن خيبتهم سوف تتعاظم عندما يدركون أن المصباح السحري فارغ، وأن لا جِنَّ يخرج منه ليصنع المعجزات، وأن السماء لا تَنزِل شيئا وأن عليهم أن يفعلوا كل شيء بأيديهم.

المستبدون السابقون لم يتركوا لهم الصناديق عامرة، لا إدارة تتميز بأداء جيد ولا اقتصاد حيوي، فقط مشاكل هائلة، دون أن ننسى الصدمات الناجمة عن تصدي هؤلاء المستبدين للاحتجاج الشعبي. إنها مشاكل تشغيل وإسكان ودَيْن خارجي ومداخيل من العملة الصعبة وغيرها من اللسعات التي ورثها الإسلامويون، يضاف إلى هذا معرفتهم المتواضعة في مجال تسيير الشؤون العامة. الوعظ بالكلمة الطيبة والسرد المتواصل للحكايات الخارقة لماضٍ مُؤَسْطَر ومُحَنَّط، وتقريع الناس حتى يلتزموا بالتعاليم الدينية والمظاهر الخارجية للتدين وغير ذلك لن يكفي ولن يحل محل برامج حكم.

العمليات الخيرية المناسباتية، الإحسان إلى المحتاجين، أعمال الخير المتنقلة والمتناوبة،الخ، لن تعني شيئا إلا إذا أمكن لكل الأمة الاستفادة منها. تقديم الإسعافات لم يعد مجديا، يجب إظهار كفاءات حقيقية في الميدان لمواجهة الاستعجالات الحارقة والمطالب الملحة. يجب الاستعاضة عن عُدّة الإحسان بجملة من أدوات الحكم الفعال، وإلا فالفشل المؤكد أو فقد ثقة الناخبين كما وقع لحركة “النهضة” في تونس.

الحجاب للمرأة، اللحية والقميص الأبيض للرجال، ملاحقة الأزواج “المشبوهين”، تعميم قاعات الصلاة في أماكن العمل، وحتى تحرير فلسطين، كل هذا يمكن أن ينتظر. ما كان مستعجلا هو بعث الاقتصاد لكي لا يموت الناس جوعا. و كان الأولى العمل على تغيير القوانين، ووضع مناهج عمل، وبرامج ومخططات اقتصادية، وضمان سير المصالح العمومية في كامل البلاد، وإدخال الأموال إلى صناديق الدولة، وغير ذلك من ألف هاجس وهاجس يومي. دون الحديث عن مختلف التجاذبات مع الأحزاب التي تحالفت معهم.

إنهم وقد رفعوا عاليا سقف وعودهم عبر إيهام الجماهير الساذجة أن الله سوف ينظر نحوهم ويغدق عليهم من نعمه لأنهم صوتوا لصالح الإسلام، وجدوا أنفسهم ، وهم يتولون مقاليد الحكم، وجها لوجه مع الواقع، ومع نفاد صبر المواطنين، ومع ندرة الوسائل، ومع الأزمة الاقتصادية والمالية العالمية، ومع الانخفاض المريع لموارد السياحة… فادركوا متاخرين تفاهة الخطب الوعظية والتمظهر بالتقوى فضلا عن المخاطر الناجمة عن الوعود اللاواقعية. اكتشفوا أن الشؤون البشرية هي من الزئقبية بحيث لا يمكن إدارتها بقواعد جامدة، وأن هناك الكثير من العراقيل والمفاجآت والطوارئ في الحياة وفي العالم. وعندما جابهوا قساوة العلاقات الدولية تأكدوا أنه ليس بوسعهم أن يفعلوا ما يشاؤون، حتى في أوطانهم

كان الإسلامويون يزعمون أنهم يجسدون النهج الثالث بين الاشتراكية والرأسمالية، وأنهم بديل للغرب. ها هي الفرصة قد سنحت لهم للبرهنة على ذلك أمام شعوبهم والبشرية. هم لا يُغْلَبون عندما يتعلق الأمر بمناقشة مجردة لإشكالية الإسلام “دين ودولة“، “إيمان ودنيا“. أما بعدما وُضِعوا على المحك، فقد شابت رؤوس الأكثر بصيرة منهم حتى من لم يَغْزُها الشيب بعد. المواجهة لم تكن أيديولوجية، ثقافية أو بلاغية، سياسية، اقتصادية ودبلوماسية. لم يكونوا إزاء جدل نظري يخضع لمبدأ الحجية، بل إزاء الواقعي والحيوي والمتحرك. المناقشة انصبت على مسائل دقيقة مثل تشغيل الشباب، نهايات الشهر لدى العمال، القدرة الشرائية، ظروف المعيشة للمواطنين، نسب البطالة والتضخم، أرقام التنمية البشرية، إغراء المستثمرين الأجانب…

المعيار بين الصح والخطأ يتمثل في تسيير الشؤون العامة ونتائجه، وليس مدى إيمان هذا أو ذاك. وبما أنهم وصلوا إلى السلطة عبر صناديق التصويت، فلم يكن بمقدورهم أن يفكروا في سحب السلم بعد أن استخدموه للصعود. لم يكن بوسعهم إلغاء الديمقراطية دون أن يروا الأطراف الأخرى وقد وقفت لهم بالمرصاد، المواطنون الذين لم يصوتوا لهم، الهيئات الدولية والرأي العام الدولي. أخطئ منهم من فكر أنه بوسعه البقاء في السلطة بالقوة. سيحتفظون بها فقط لو أنهم هم الذين انتزعوها عنوة من المستبدين. لكنهم لم يفعلوا ذلك، لم يهزموا المستبد، “شعب الفايسبوك” هو الذي هزمه بينما أوكل إليهم التصويت العشوائي مفاتيح البلاد أملا في حياة أفضل، بل في نتائج معجِزة.

لقد كانوا فقط أول المستفيدين من التداول على السلطة. وها قد تركوا المقعد. من المشاكل التي كانت ستواجه الإسلامويين الذين صاروا “معتدلين” بقوة الأشياء: فقدان “أصالتهم” عند تقديم التنازلات أمام الناس. إذا تبنوا مفاهيم الجمهورية، الديمقراطية، التسامح، الانتخابات، الحريات العامة، حقوق المرأة، الخ، ماذا كان سيتبقى لهم من الصفة الإسلاموية أو حتى من الإسلامية؟
إذا تساهلوا في مسائل الميراث والتبني والحدود كما وعدوا بذلك، كانوا سيفقدون الحق في صفة “الإسلاموية”. بالنسبة لمعايير التمييز بين المسلم وغير المسلم كما دعا إليها مفكروهم، و سيتهمون في هذه الحالة بالتحريف و”الكفر” والجحود والانتهازية. و بالتالي كانوا سيواجهون مزايدات المتشددين في بلادهم وفي الخارج الذين نصبوا أنفسهم حراسا متفطنين على أقوالهم وقضاة صارمين لأفعالهم. من هنا لو استمروا كانت ستأتيهم أعتى المعارضات، وليس من أولئك الذين يعتقدون أنهم أعداؤهم الدائمون، العلمانيون.

كانوا سوف يطالبونهم، من هم صورتهم الأخرى، بتطبيق كل التدابير الأسلامية، ابتداء من تحجيب المرأة، منع المشروبات الكحولية، التمييز ضد أتباع المعتقدات الأخرى، تطبيق الحدود، الخ. سيطالبونهم، جملة وتفصيلا، بتطبيق تعاليم الشريعة، بما فيها تلك التي سوف تقيم ضدهم المجتمع الدولي. و يستخرجون حجتهم الثقيلة من آية: ” أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ.” وما تبقى من تنظيم “القاعدة” لم يكن ليتوانى عن التحرش بهم.

كان سوف يحدث لهم ما حدث للشيوعية عندما تخلت عن نقائها وتشددها مع إصلاحات غورباتشيف (البيروسترويكا والغلاسنوست). ولان الشك ينخر المذهب كما تنخر الدودة الثمرة، فينهار البناء يوما ما. وأخيرا تأتي الطموحات الشخصية، وحب السلطة والتبرجز لتكملة عمل التآكل والفساد الذي يصيب الكائنات البشرية شأنها شأن غيرها. ومع الوقت يصيبهم الابتذال وتنحط قيمتهم. في هذه اللحظة، وشماتة الناس فيهم أكثر من شماتتهم في النظام السابق، وأكثر من شماتتهم في الأحزاب التي كانت تشاركهم في الحكم، لأن رأي ناخبيهم هو أنهم كانوا محل خيانة في أعز ما عندهم : “فكرتهم عن   الإسلام“.
كانت كل الأحزاب الإسلاموية تقول بأنها تريد أن تستلهم تجربة حزب العدالة والتنمية التركي حتى صار الأمر وكأنه موضة. في مصر، أطلق الإخوان المسلمون على حزبهم اسم  حزب العدالة والحرية، في المغرب حزب العدالة والتنمية، وفي ليبيا  حزب التنمية والإصلاح. كما أن غياب النعت “إسلامي” من تسمية الأحزاب، ليس مجرد صدفة بحتة بل هو من أمارات العصر: هناك رغبة في تغيير الواجهة. كان النموذج التركي يُقدم كمثال لأنه أولا لا يوجد غيره، ثم بعد ذلك، من أجل طمأنة غيرهم حول نواياهم الخاصة، وأخيرا لجعل الناس يعتقدون أنه مع حكومة إسلاموية تُحَلّ مشاكلهم الدنيوية والأخروية.

الرسالة كانت : أن الأمة لا يمكن أن تزدهر إلا إذا حكمت باسم الله. وها هو البرهان ! تركيا، التي حققت إنجازات اجتماعية، اقتصادية ودبلوماسية هامة خلال العشرية الأخيرة التي تصادفت مع الحكم الإسلامي. إنها تحتل اليوم المرتبة السادسة عشر في التصنيف الاقتصادي الدولي والسادسة في أوربا. لكن المؤسف (بالنسبة لهم)، أن الاقتصاد التركي ليس اقتصادا إسلاميا وأداءه الممتاز لا يعود إلى دور الإسلاموية. إنه اقتصاد سوق كلاسيكي وليبرالي لا يختلف عن الاقتصادات الأوربية التي يرتبط بها أوثق الارتباط. لا إسلاموية في الحكم الراشد في تركيا إلا في القناعات الشخصية لأعضاء حزب العدالة والتنمية. وهذا ليس للتقليل من جدارة أردوغان وغُول وفريقهما الذين برهنوا أن الإسلام والديمقراطية يتلاءمان مع بعضهما، لكن من أجل الالتزام بنظرة موضوعية للأمور.

عندما يتجول المرء في استانبول وأنقرة، فلا شيء يدل على أننا في بلد مسلم لولا وجود المساجد والحجاب الإسلامي. طيب أردوغان ليس علاء الدين، وهو لم يعثر على المصباح السحري الذي يخرج منه جني خيّر يحقق كل المعجزات. لقد طبق قواعد اقتصاد السوق مع الجدية التي تليق ببلد يحترم نفسه، بلد أدار طوال قرون إمبراطورية ضمت ثلاثين بلدا في آسيا وأفريقيا وأوربا، وعرف كيف يستفيد من مزاياه مقارنة بغيره.

تركيا الإسلاموية لم تخترع اقتصادا جديدا، ولا هي سجلت الكثير من براءات الاختراع، لقد فعلت، مع فارق الحجم، مثلما فعلت الصين، الهند أو البرازيل، أي أنها طورت مناطق تنافس فتحت لها الأسواق الأوربية والعربية. كما عرفت اندفاعة قوية بنسبة نموها بمعدل7 % في السنوات الأخيرة وقفزة هائلة إلى الأمام في مستوى صادراتها، لكنها ليست في منأى عن الأزمة الأوربية. فصادراتها ترتبط بها بنسبة 50 %. حاليا، يستقر التضخم والعجز المالي في مستوى 10 % وعملتها، الليرة، خسرت مؤخرا أكثر من ربع قيمته مقابل الدولار. إذا واصل الأورو ضعفه وواصل الاقتصاد الأوربي انخفاضه، فإن صادراتها ستتهاوى بنسب معتبرة وتجعل نسبة نموها سلبية. التوقعات الرسمية تعلن عن نسبة نمو تقدر بـ 4 %، بينما يقدرها صندوق النقد الدولي في حدود 2 %.

الإسلاموية التركية لم تصل إلى السلطة بفضل ثورة، بل عن طريق التصويت الديمقراطي وبعد تطور بطيء. وراءها مسيرة طويلة، من التتلمذ، والانتصارات والخيبات عرفت كيف تستخلص منها العبر. ظهر أول حزب سياسي إسلاموي عام 1970 تحت اسم “حزب النظام القومي”. سنة بعد ذلك تم حله.  في سنة      1972تأسس حزب “الخلاص القومي” من طرف نجم الدين أربكان وتقدم بمرشحين للانتخابات التشريعية لعام 1973 حيث تحصل على11,8 % من الأصوات، وهي نتيجة وضعته في المرتبة الثالثة بين الأحزاب الفائزة.

دخل الإسلامويون الحكومة لأول مرة بالتحالف مع تشكيلات أخرى بين 1983 و1990، حكم البلاد “حزب الوطن الأم” بنجاح تحت قيادة تُرقت أوزال الذي تولى مهام الوزير الأول ثم رئيس الجمهورية. في 1997، تم حل “حزب الرفاه” بقيادة أربكان، حيث كان يناضل أردوغان وغول، وأبعد أربكان لأنه كان يريد إلغاء المادة 2 من الدستورالمتعلقة بالعلمانية.

بالإضافة إلى ذلك فقد كان هذا الأخير معارضا لدخول تركيا في الاتحاد الأوربي.
في 2011، أسس الصديقان أردوغان وغول “حزب العدالة والتنمية” الذي نادى بأفكار معتدلة وتبنى إرث تُرقُت أوزال وابتعدا عن مواقف أربكان باعتبارها متطرفة. في 2002، فازت التشكيلة السياسية الجديدة بالانتخابات التشريعية. وهي اليوم في العهدة الرابعة.

لم يكسب “حزب العدالة والتنمية” ثقة أغلبية الأتراك والاحترام الدولي اعتمادا على مناضلين متزمتين، على معارضة المؤمنين بغير المؤمنين، على الوعد بقلب الحياة التركية، على التعهد بإعادة الخلافة (وهم الذين احتفظوا بها إلى غاية 1923) بل عبر التحول نحو تحديات العالم الحديث وعبر تبني مزايا الحداثة. لم تصبه لوثة السلفية والجهادية مثلما هو شأن الأحزاب الإسلاموية التي ظهرت في العالم العربي. في تركيا اليوم، هناك 000 6 صحيفة يومية، 200 قناة تلفزيون محلية و1200 إذاعة، وهو ما يشي بمدى التعددية ومناخ الحرية السائد هناك.

هناك عاملان رئيسيان، لا تتمتع بهما الأحزاب الإسلاموية العربية، يقفان في أصل نجاح الإسلاموية التركية: العلمانية ومسار الانضمام للاتحاد الأوربي. العلمانية أفادت “حزب العدالة والتنمية” أكثر مما أضرت به، خلافا لما يمكن أن نعتقد.

لقد حفظته من إغراء الثيوقراطية (في بلد كان طوال قرون مركز الخلافة)، والدروشة التي اعتادت عليها الأحزاب الدينية العربية والعداء للمجتمع الدولي. لقد سدت العلمانية في وجهه طريق الظلامية وفرضت عليه خطا أحمرا لا يجب تجاوزه، خط الحريات الفردية. من جهة أخرى، فقد برأته العلمانية في أعين المتشددين الإسلامويين الذين لا يمكن أن يلوموه على عدم تطبيق الشريعة باعتبار أن هناك خنجرا على رقبته.

وأكثر من ذلك، فقد حررته من الالتزام المحرج حول واجب تطبيق حدود، هي قرآنية بالتأكيد، لكنها غير قابلة للتطبيق في أيامنا: قطع الأيدي، الرجم، صفة الذمي لغير المسلمين، الخ. لهذا، وخلال جولته في البلاد العربية عندما انتصرت الثورة، رأى الوزير الأول أنه من اللائق تقديم النصح للأحزاب الإسلاموية التي يبدو أنها لم تفهمه بالتأكيد.

أما مسار الانضمام للاتحاد الأوربي، فقد انجرعنه تأهيل الترسانة القانونية والدستورية لتركيا بهدف جعلها تنسجم مع تلك الموجودة في الدول الأعضاء في الاتحاد الأوربي. كما مهدت له الطريق نحو اقتصاد السوق، ولكنها، وهو الأهم، قد حمت “حزب العدالة والتنمية” من التدخلات الرعناء للجيش. الحكومة التي تعلقت بشدة لمدة خمسة عشر سنوات بمسعى الانضمام للاتحاد الأوربي يبدو أنها لم تعد تكترث للأمر في الآونة الأخيرة.

هل كان ما سبق ذكره ليس إلا مناورة ذكية للانعتاق من القبضة العسكرية؟ لأن الجيش، في غضون ذلك، راح يخسر صلاحياته الوصائية الواحدة تلو الأخرى على الحياة السياسية ولم يعد الضامن للدستور. لقد عاد إلى الصفوف وهو الذي صار تابعا من الآن فصاعدا للسلطة المدنية. في سبتمبر 2010، تم تبني إصلاح دستوري جعل من أفراد الجيش خاضعين للمحاكمة أمام المحاكم المدنية. مثل ذلك المرحلة الأولى.

بعد شهرين من انتصار “حزب العدالة والتنمية” في تشريعيات جوان 2011، باشرت الحكومة تصفيات واسعة ضد القيادة العسكرية العليا. اضطر، على إثرها، قائد الأركان وقادة قوات الجيوش الثلاثة (بر، جو، بحر) إلى الاستقالة، بينما يقبع 250 من الضباط السامين ( بينهم أربعين جنرالا) في السجون بتهمة “تدبير انقلاب ضد الحكومة”. هذه هي المرحلة الثانية. ثم جاء دور القائد السابق في الجيش، وهو أمر كان مستحيل التصور قبل عام، ليُعْتَقَل ويُزَجّ به في السجن بتهمة “تدبير انقلاب إرهابي ضد الحكومة”.

كانت هذه هي الضربة القاضية: لقد تحطم النموذج المميز لجيش تربع فوق الجميع منذ إنشاء تركيا. هناك دستور جديد قيد الإعداد تم تكليف الأحزاب الممثلة في البرلمان بإعداده. سوف يحل محل الدستور الذي حرره العسكريون عام 1982، ليرسم الوجه الجديد لتركيا. سوف نتعرف على محتواه هذه السنة. أولئك الذين كان يستهويهم القول بأن على العسكريين في مصر وفي الجزائر، من أجل تعديل الكفة مقابل الإسلاميين، أن يحتذوا بمثال الجيش التركي لا بد أن يشعروا الآن بحرج شديد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى