أراء وتحاليلالجزائرالرئيسيةبين الفكر والسياسةسلايدر

إبطال المفعول السياسي لبوتفليقة

إبطال المفعول السياسي لبوتفليقة

لأول مرة منذ عام 2013، تتسرب معلومات طبية موثوقة عن الحالة الصحية للرئيس بوتفليقة مباشرة من الدائرة الطبية التي تتولاها، لتعطي فكرة واضحة عن حقيقتها و تثبت للعالم أجمع أن أطرافا أخرى تتحدث باسمه لتتمكن من مواصلة بسط سيطرتها على الجزائر ودولتها من أجل أغراض شخصية شريرة.
لقد ذهب قبل أسبوعين لإجراء “فحوص روتينية” و هاهو اليوم معرض لأن يلفظ أنفاسه الأخيرة في أي لحظة، جراء تدهور حالته الفيزيولوجية والدماغية على أخطر نحو. إن كان من غير المستبعد استقرار حالته ، فإن شفاءه ميؤوس منه..
هذه المعلومات تهّم الشعب الجزائري المتجنّد أكثر من أي وقت مضى لوضع حد لحكم بوتفليقة الطويل وللنظام الذي يمثله، و تَستعجلُ البحث عن حل قانوني وسلمي للأزمة التي فتح بابها احتمال طلبه لعهدة خامسة.
إن استمرار المسيرات والمظاهرات السلمية و تصاعد حجمها و وتيرتها، و ستكون تلك المقررة يوم الجمعة 8 مارس خير دليل على ذلك؛ راجع إلى كون الأمة تريد أن تنتهي دفعة واحدة وإلى الأبد مع العهد القديم، عهد الحزب الواحد، الديماغوجية، الرجل الواحد، الشعوذة و الخوف..
يجب أن يُترك هذا المريض للرعاية التي في وسع الأطباء أن يقدموها له، لكن الوقت قد حان لفصله عن المسؤوليات التي لم يعد بإمكانه تحملها: قيادة بلد يغلي و يتطلع بكل قواه إلى عهد جديد. فالبلد أيضا مريض بمرض رئيسه، و هو كذلك يحتاج إلى رعاية شعبه حتى يتمكن من الشفاء وإعادة بناء حياته على أسس جديدة.
1) الحل المؤسساتي:
هنالك حل قانوني سلمي ممكن و متوفر، و هو موجود بين يدي المؤسسة المخولة بتطبيقه، المجلس الدستوري، و الذي يجب على أعضائه في الساعات والأيام القادمة الاختيار بين الولاء لرجل وصل إلى نهاية عهدته و هو غير قادر على تحمل أخرى؛ و بين ولائهم للوطن والدستور.
هذه المؤسسة لا تحتاج لأن يحركها أحد لأنها في هذه اللحظة قيد الفعالية تعكف على النظر في ملفات مرشحي الانتخابات الرئاسية لتقرر قبولها أو رفضها.
لكن مداولاتها لن تجري هذه المرة في سرّ مكاتبها بل تحت أنظار العالم التي تشهد على أن رجلًا يبلغ من العمر 82 عامًا، يرقد في سرير مستشفى بين الحياة والموت بعيدًا عن بلاده لا يمكنه أن يتوفر على الشروط التي يتطلبها انتخابه للرئاسة.
يجب على أعضاء المجلس الدستوري إذا أن يقرّوا بالإجماع وبتحكيم ضمائرهم بالعجز المزدوج بوتفليقة. و قرارهم هذا سوف يستند على واقع طبي واضح و معترف به من قبل الدوائر الطبية، غير قابل للجدل، ويمكن التحقق منه.
عليهم رفض ملف ترشحه لأسباب طبية، و هو ما سيؤدي إلى الاعتراف كذلك بأنه لم يعد قادراً على أداء واجبات رئيس الجمهورية. المادة 102 من الدستور احتاطت لمثل هذا الوضع و أوضحت كيفية التعامل معه: :
” إذا استحال على رئيس الجمهوريّة أن يمارس مهامه بسبب مرض خطير ومزمن، يجتمع المجلس الدّستوريّ وجوبا، وبعد أن يتثبّت من حقيقة هذا المانع بكلّ الوسائل الملائمة، يقترح بالإجماع على البرلمان التّصريح بثبوت المانع . يُعلِن البرلمان، المنعقد بغرفتيه المجتمعتين معا، ثبوت المانع لرئيس الجمهوريّة بأغلبيّة ثلثي (2/3) أعضائه، ويكلّف بتولّي رئاسة الدّولة بالنّيابة مدّة أقصاها خمسة وأربعون (45) يوما رئيس مجلس الأمّة الّذي يمارس صلاحيّاته مع مراعاة أحكام المادّة 104 من الدّستور . وفي حالة استمرار المانع بعد انقضاء خمسة وأربعين (45) يوما، يُعلَن الشّغور بالاستقالة وجوبا حسب الإجراء المنصوص عليه في الفقرتين السّابقتين وطبقا لأحكام الفقرات الآتية من هذه المادّة . في حالة استقالة رئيس الجمهوريّة أو وفاته، يجتمع المجلس الدّستوريّ وجوبا ويُثبِت الشّغور النّهائيّ لرئاسة الجمهوريّة . وتُبلّغ فورا شهادة التّصريح بالشّغور النّهائيّ إلى البرلمان الّذي يجتمع وجوبا . يتولّى رئيس مجلس الأمّة مهام رئيس الدّولة لمدّة أقصاها تسعون (90) يوما، تنظّم خلالها انتخابات رئاسيّة . ولا يَحِقّ لرئيس الدّولة المعيّن بهذه الطّريقة أن يترشّح لرئاسة الجمهوريّة . وإذا اقترنت استقالة رئيس الجمهوريّة أو وفاته بشغور رئاسة مجلس الأمّة لأيّ سبب كان، يجتمع المجلس الدّستوريّ وجوبا، ويثبت بالإجماع الشّغور النّهائيّ لرئاسة الجمهوريّة وحصول المانع لرئيس مجلس الأمّة. وفي هذه الحالة، يتولّى رئيس المجلس الدّستوريّ مهام رئيس الدّولة . يضطلع رئيس الدولة المعين حسب الشروط المبينة أعلاه بمهمة رئيس الدولة طبقا للشّروط المحدّدة في الفقرات السّابقة وفي المادّة 104 من الدّستور. ولا يمكنه أن يترشّح لرئاسة الجمهوريّة”.
من خلال هذا الحل، ستتمكن الجزائر خلال بضعة أشهر فقط من دخول عهد جديد يمكنه الاستناد إلى خارطة طريق تضعها هيئة تنسيق للحراك المواطني، التي سيتوجب إنشائها و التي يجب أن تعكس التطلعات الشعبية التي عُبّر عنها طوال مسار الثورة المواطنة. يمكن أن تتضمن هذه الخارطة أيضا نقاطا أخرى جرت المطالبة بها مرارا و تكرارا في مناسبة أو أخرى:
– انتخاب رئيس جديد للجمهورية على أساس دفتر شروط تضعه هيئة التنسيق.
– تشكيل حكومة مؤقتة لتنفيذ الأهداف التي تسطرها الهيئة.
– إرجاع اسم “جبهة التحرير الوطني” إلى الذاكرة الوطنية
– حل المجلس الشعبي الوطني و مجلس الأمة
– انتخاب مجلس تأسيسي يكلف بكتابة دستور الجمهورية الجزائرية الثانية
– المصادقة على الدستور الجديد بالاستفتاء الشعبي
– تنظيم انتخابات تشريعية و محلية جديدة
2) الحل الشعبي
في حالة ما لم تقم المؤسسات القائمة (المجلس الدستوري ، البرلمان ، الجيش) بتحمّل مسؤولياتها خلال هذه المرحلة الحاسمة من تاريخ الجزائر و لم ترمي بثقلها لصالح حل قانوني يلبّي الإرادة السيدة للشعب، فإن البلاد ستضيّع وقتا ثمينا و المشاكل ستصبح أكثر تعقيدًا. على أية حال فإن السلطة ستكون مخطئة إن عوّلت على الوقت لإجهاد نفس الثورة أو إن أملت في إمكانية العودة إلى الوراء. فما الذي سيفعلونه بعد موعد 18 أبريل الذي يستمرون في التشبث به؟
إن الوقت يمضي ويقرّب البلد من قفزة في المجهول، والتي يمكن لها أن تأخذ شكل انقلاب لن يقبله لا الشعب ولا الرأي العام الدولي.
بموجب أحكام الدستور الحالي فإن السيادة، أي السلطة الشرعية في اتخاذ القرار، ترجع إلى الشعب: :
” المــادّة 7 : الشّعب مصدر كلّ سلطة. السّيادة الوطنيّة ملك للشّعب وحده.”
” المــادّة 8 : يمارس الشّعب سيادته بواسطة المؤسّسات الدّستوريّة الّتي يختارها. يمارس الشّعب هذه السّيادة أيضا عن طريق الاستفتاء وبواسطة ممثّليه المنتخَبين”.
” المــادّة 11 : الشّعب حرّ في اختيار ممثّليه. لا حدود لتمثيل الشّعب، إلاّ ما نصّ عليه الدّستور وقانون الانتخابات. ”
” المــادّة 12 : تستمدّ الدّولة مشروعيّتها وسبب وجودها من إرادة الشّعب. شعارها : “بالشّعب وللشّعب”. وهي في خدمته وحده ”
في جميع الأحوال، لم يعد من الممكن أن تجرى الانتخابات الرئاسية ل 18 أبريل المقبل، إلاّ بالنسبة لمن يؤمنون ب” المعزة التي تطير”.
الضغط الشعبي سوف يتزايد وستزيد من قوته التعزيزات التي ستضل تلتحق به من منظمات المجتمع المدني (الطلاب، المحامون، الصحفيون، الأطباء، المدرسون، النقابات، الجمعيات…) مثقفين، شخصيات، فنانين وأحزاب سياسية. قد يلجأ الحراك إلى العصيان المدني وشلّ البلاد حتى يسقط هذا النظام الذي حكم الجزائر بالتزوير منذ الاستقلال.
مؤيدو السلطة بدئوا بالتخلي عنها الواحد تلو الآخر ما سيؤدي قريبا إلى تفكك الصرح السياسي الذي أقامه بوتفليقة بأكمله. ناهيك عن تأثير الدعم المعنوي الذي من المؤكد أنّ المجتمع الدولي لن يتأخر في تقديمه إلى هذه الثورة المواطنة التي أثرت فيه بطابعها عالي التّحضّر و سلميتها والمثل الديمقراطية التي عبرت عنها..فهي لم تبهرهم فقط، بل يمكن أن يكون تأثيرها أقوى، فتُلهِم شعوبا إفريقية و عربية مسلمة أخرى، و تدفعهم لبعث ثوراتهم المجهضة أو ربيعهم الفاشل.
لا يجب أن تجهض ثورة المواطنة هذه كما أجهضت ثورة نوفمبر 1954 الخالدة للأسف، بسبب خطأ رجال كبوتفليقة و غيره كُثر. و من المبكر الحديث عمّا بعدها، لأنه لابد من الفوز أوّلا في معركة العهدة الخامسة و إسقاط النظام.

بقلم نورالدين بوكروح

ترجمة وليد بوكروح

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى