اقتصاد وأعمالالرئيسية

لهذه الأسباب فشل إدراج اسمنت عين الكبيرة في بورصة الجزائر..

نسرين لعراش

أكد قرار إدراج شركة الاسمنت عيرن الكبيرة التابعة لمجمع الاسمنت الجزائري (جيكا) أن الحكومة الجزائرية تريد وضع العربة أمام الحصان، وأنها لا تملك النية ولا الرغبة الفعلية في الذهاب نحو إصلاح حقيقي وجاد للسوق المالية.

بعد 21 يوما من إطلاق عملية الاكتتاب في شركة إسمنت عين الكبيرة التي طرحت أسهما عبر 2000 وكالة بنكية على المستوى الوطني بإشراف بنك الجزائر الخارجي، سمحت العملية من تحقيق حصيلة مهينة، حيث لم يتم جمع سوى 3.4% من المبلغ المطلوب وهو 193 مليون دولار، وهو معدل ضئيل لا يسمح للجنة عمليات مراقبة البورصة بالموافقة على العملية التي تتطلب تحقيق 20% من المبلغ المطلوب على الأقل للموافقة.

الحكومة لم يبقى أمامها لحفظ ماء الوجه سوى إعطاء أوامر للبنوك العمومية وشركات التأمين العمومية أو مجمع الإسمنت الجزائري (جيكا)بشراء 20% من المبلغ المطلوب على الأقل لمنع فشل العملية وتحولها إلى موضوع للنكتة بين المتعاملين والفاعلين الاقتصاديين.

لكن السؤال المطروح، هل يعتبر إعطاء أوامر للمستثمرين المؤسساتيين لإنقاذ العملية حلا عمليا؟

إن اتخاذ قرار من هذا النوع يعتبر بمثابة فضيحة وهروب إلى الأمام وتماديا في الخطأ ستعريه الأيام اللاحقة من خلال الفشل الذي ستحصده عملية إدراج 7 شركات عمومية أخرى خلال الأشهر القادمة بعد أن تأجلت العملية لمرات عديدة من موافقة مجلس مساهمات الدولة على العملية في 2014.

كيف ستتعامل الدولة مع أسهم  كوسيدار والقرض الشعبي الجزائري وموبيليس وشركة التأمين وإعادة التامين وهيدرومناجمنت وغيرها، السؤال يتوجب على الحكومة توفير الإجابة اللائقة.

 

مشكلة ثقة

إن انتظار وقت الأزمة المالية وتراجع الموارد المالية الداخلية والخارجية لإدراج شركات في البورصة، هو عبارة عن در الرماد في العيون، ليس إلا.

من أين ستأتي البنوك وشركات التأمين بالسيولة المطلوبة وهي تعيش تحت ضغط قوي من الحكومة لإنجاح القرض الوطني للنمو، ناهيك عن تراجع مثير للاهتمام للقدرة الشرائية للأسر منذ 2015 بسبب الأزمة وتراجع الضغوط التضخمية، فضلا عن إشكالية الثقة في السوق المالية التي لم تبدل الحكومة أي جهد لتسويته يقول أحد المختصين على علاقة بموضوع بورصة الجزائر.

ويضيف المصدر الذي تحدثت إليه “الجزائر اليوم”، إن المشكلة تصبح معقدة للغاية عندما نعرف أن الدولة لم تحل معضلة أكثر خطورة وهي سيولة الأسهم المتداولة في السوق، بمعنى أن أي مستثمر صغير أو كبير، ليس بإمكانه بيع الأسهم التي اشتراها وهذا نتيجة عدم وجود مستثمرين مؤسساتيين يساهمون في حركية السوق من خلال تدخلات مباشرة وقوية على غرار البنوك كما هو معمول به في كل بورصات العالم.

وبالنتيجة عندما لا يستطيع أي مستثمر بيع أسهمه فهي ستفقد قيمتيها أو تستقر على الأقل، مهما كانت النجاعة أو النمو الجيد التي تحققه الشركة التي أصدرت هذه الأوراق المالية(الأسهم)، فضلا عن وجود عوامل ثانوية منها الاتصال وغياب ثقافة بورصة لدى قطاع عريض من الجزائريين وتلكأ وسطاء البورصة وخاصة العموميين على التدخل، ولكن هذه الأخيرة هي مجرد حكاية الدجاجة والبيضة ليس إلا.

يضيف مصدر “الجزائر اليوم”، أن بعض النقاط التقنية قد تعد مهمة ومنها اتخاذ بعض القرارات على مستوى لجنة عمليات البورصة وشركة تسيير القيم المنقولة ووسطاء البورصة ونظام التثبيت وعدد الجلسات وغيرها، إلا أنها تعتبر قرارات تقنية لا تأثر مباشرة لإحداث دينامكية مباشرة على مستوى بورصة الجزائر الأكثر تخلفا في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بعد حوالي 18 سنة من دخولها الفعلي الخدمة.

 

رفع التجريم على المسيرين

إن ما تحتاجه بورصة الجزائر لتصبح فعلا كما يذل عليها إسمها، هو قرار سياسي شجاع وصريح لإصلاح السوق المالية، وذلك من خلال إعطاء ضمانات لرؤساء البنوك والمؤسسات المالية والسماح لهم بالتدخل الحقيقي والفعال في بورصة الجزائر، يقول أحد المتعاملين في البورصة، مضيفا أن القرار يمر حتما عبر رفع التجريم بصفة فعلية على أعمال التسيير على المسؤولين ورؤساء البنوك والمؤسسات المالية، على اعتبار أن أي رئيس بنك أو مؤسسة مالية يتدخل لتنشيط البورصة يمكنه أن يحقق أرباح كما يمكنه أن يجني خسائر، وبالتالي لن يتم متابعته بجناية تبديد أموال عمومية في حال الخسارة.

المشكلة الثانية التي يجب حلها تتمثل في إصدار نص تشريعي عبر قانون المالية أو إصدار نص خلال الجمعيات العامة للمؤسسات المالية التي يشرف عليه الوزير الأول أو وزير المالية، يقرر تخصيص نسبة 1-3% من رقم أعمال هذه المؤسسات لتنشيط بورصة الجزائر، وإصدار تشريع يتضمن دفع غرامات في حال عدم استعمال هذه المبلغ في تنشيط البورصة، على غرار رسم التكوين الذي يطبق بطريقة جيدة.

هناك العديد من الأمثلة المشابهة في العالم ومنها فرنسا مثلا التي أدرجت قرارا سياسيا مشابها في سنوات الثمانيات مكنها من تحقيق نتائج باهرة بعد فرد إجبارية مشاركة جميع البنوك والمؤسسات المالية في تنشيط بورصة باريس التي أصبحت على ما هي عليه اليوم قادرة على مرافقة الحركية الاقتصادية في البلاد ومكنت جميع الفاعلين من الاستفادة.

 

لماذا فشلت عين الكبيرة؟

أولا توقيت العملية. الحكومة اختارت توقيتا سيئا للغاية لإدراج عين الكبيرة. على اعتبار أن البنوك والمؤسسات المالية تحت ضغط كبير لإنجاح القرض الوطني للنمو الذي أطلق في ظل أزمة مالية خانقة، ومن جهة ثانية تزامن العملية مع شهر رمضان المعظم وفصل العطل السنوية الذي يعني أيضا شح السيولة لدى صغار المستثمرين المثقلين أصلا بتراجع القدرة الشرائية.

ثانيا، عنصر الثقة. هناك فقدان شبه كامل للثقة بين المتعاملين وجمهور المستثمرين عموما والسلطات، وغياب الثقة في البورصة أصلا بسبب تجارب سابقة.

وثالثا، عدم سيولة الأسهم، بسبب عدم تدخل المؤسساتيتين ومحدودية نشاط وسطاء البورصة العموميين، وعدم التكفل بالمستثمرين على مستوى الشبابيك.

منذ أول محاولة لإدراج شركات عامة في 1999 من خلال صيدال والأوراسي وإرياض سطيف قبل سحبها بعد بيعها للخواص، جاءت مرحلة ثانية بعد عشر سنوات، أي في 2009 بدخول شركة أليانس للتأمينات التي عرفت حركية نوعا ما بتسجيل 6500 مكتتب خاص على مستوى 48 ولاية وطلب بلغ 220 % من المبلغ المطلوب خلال 30 يوما، ومعدل اكتتاب بـ142% منهم 98% خواص.

إن نجاح السوق الأولية وعودة الثقة تم القضاء عليهما من خلال تعطيل السوق الثانوية وممارسات وسطاء البورصة السيئة للغاية في هذه السوق التي يحتكرونها على الرغم من قلة خبرتهم وتجربتهم.

تجربة ثانية شهدها العام 2013 بدخول شركة المصبرات الجزائرية رويبة التي حققت معدل اكتتاب بنسبة 101%.

ثلاث سنوات من بعد وفي 2016 ألتحقت شركة بيوفارم ببورصة الجزائر، ولكنها خيبت أمال المستثمرين وأنهت ما تبقى من منسوب الثقة، ولم يتمكن الجمهور من متابعة العملية التي لم تحقق أزيد من 45% من أهدافها في نهاية العملية، قبل إنقاذ العملية من رجل الأعمال يسعد ربراب رئيس شركة سيفتال الذي قام بشراء 25% من الساهم المطروحة وصندوق التوفير والاحتياط بنك، وبنك الجزائر الخارجي للكمية المتبقية من الأسهم.

إن الفشل الذريع الذي جنته شركة إسمنت عين الكبيرة يندرج ضمن مسار الفشل الطبيعي الذي أنطلق منذ البداية وانعدام الثقة والسيولة في السوق الثانوية، فضلا عن تصرفات المتدخلين في السوق الثانوية ووسطاء البورصة العموميين التي أصبحت سلبية للغاية ولا تسمح ببروز بورصة تليق بسمعة الجزاٍئر واقتصادها.

 

تأجيل إدراج كوسيدار والقرض الشعبي الجزائري وموبيليس …؟   

إن الترويج للعملية لم يتم كما يجب، فضلا عن تلكأ المسيرين وعدم تقديمهم لأي جهد، فضلا عن شروط اختيار المرافقين الذي يتم بطريقة بيروقراطية من خلال قانون الصفقات العمومية الذي لا يعطي بالضرورة أحسن الموجودين في السوق، بالإضافة إلى غياب الإرادة في الانفتاح على السوق الثانوية وتعريض أنفسهم لمخاطر تتعلق بالمخاطرة، ورفض الكثير من المسيرين للشفافية، كيها عوامل جعلت من الفشل هو مآل العملية الأخيرة المتمثلة في إسمنت عين الكبيرة والذي يؤشر أيضا إلى احتمال تأجيل إدراج الشركات الـ7 العمومية المذكورة، وهو التأجيل الذي قد يرغم السلطات على مواجهة حقيقة فشلها في إطلاق بورصة حقيقية، والاعتراف بأنه حان الوقت لإصلاح الخلل والالتزام باقتراح الحلول المناسبة المعمول بها في العالم والتي يطالب بها المتعاملين منذ سنوات على غرار إصلاح قضية الثقة والسيولة والتزام الوسطاء في عمليات البورصة، وقبل كل ذلك قرار سياسي صريح وقوي بتطوير بورصة الجزائر وتطوير السوق المالية عموما.

بدون هذه القرارات االصريحة ستبقى بورصة الجزائر مجرد بناية تعيسة في شارع عميروش عرضة لنظرات المارة من الفضوليين لا أكثر ولا اقل، في الوقت الذي تتقدم بورصات المغرب وتونس وتوفر بعض الحلول الاقتصادية لحكومات البلدين.

إن الوقت للأسف الشديد يلعب ضد الجزائر، يضيف أحد المتعامين في البورصة، مضيفا أن صناع القرار الاقتصادي غير قادرين حاليا على قياس درجة الخطورة الناجمة عن تقاعسهم وفرضهم لسياسة الجمود على مستقبل البلاد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى